تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٦٨
الذوق كما لا يخفى على ذويه، ومثله القول بأنه إنما كان لتسكين هارون لما رأى به من الجزع والقلق، وقال أبو علي الجبائي: إن موسى عليه السلام أجرى أخاه مجرى نفسه فصنع به ما يصنع الإنسان به عند شدة الغضب، وقال الشيخ المفيد من الشيعة: إن ذلك للتألم من ضلال قومه وإعلامهم على أبلغ وجه عظم ما فعلوه لينزجروا عن مثله ولا يخفى أن الأمر على هذا من قبيل:
غيري جنى وأنا المعاقب فيكم * فكأنني سبابة المتندم ولعل ما أشرنا إليه هو الأولى. وجملة * (يجره) * في موضع الحال من ضمير موسى أو من رأس أو من أخيه لأن المضاف جزء منه وهو أحد ما يجوز فيه ذلك، وضعفه أبو البقاء * (قال) * أي هارون مخاطبا لموسى عليه السلام إزاحة لظنه * (ابن أم) * بحذف حرف النداء لضيق المقام وتخصيص الأم بالمذكر مع كونهما شقيقين على الأصح للترقييق، وقيل: لأنها قامت بتربيته وقاست في تخليصه المخاوف والشدائد، وقيل: إن هارون عليه السلام كانت آثار الجمال والرحمة فيه ظاهرة كما ينبىء عنه قوله تعالى: * (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) * (مريم: 53) وكان مورده ومصدره ذلك، ولذا كان يلهج بذكر ما يدل على الرحمة، ألا ترى كيف تلطق بالقوم لما قدموا على ما قدموا فقال: يا قوم * (إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن) * (طه: 90) ومن هنا ذكر الأم ونسب إليها لأن الرحمة فيها أتم ولولاها ما قدرت على تربية الولد وتحمل المشاق فيها وهو منزع صوفي كما لا يخفى، واختلف في اسم أمهما عليهما السلام فقيل: محيانة بنت يصهر بن لاوى، وقيل: يوحانذ، وقيل: يارخا، وقيل: يازخت، وقيل: غير ذلك، ومن الناس من زعم أن لاسمها رضي الله تعالى عنها خاصية في فتح الأقفال وله رياضة مخصوصة عند أرباب الطلاسم والحروف وما هي إلا رهبانية ابتدعوها ما أنزل الله تعالى بها من كتاب.
وقرأ ابن عامر. وحمزة. والكسائي. وأبو بكر عن عاصم هنا وفي طه * (ابن أم) * بالكسر وأصله ابن أمي فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة تخفيفا كالمنادى المضاف إلى الياء.
وقرأ الباقون بالفتح زيادة في التخفيف أو تشبيها بخمسة عشر * (إن القوم) * الذين فعلوا ما فعلوا * (استضعفوني) * أي استذلوني وقهروني ولم يبالوا بي لقلة أنصاري * (وكادوا يقتلونني) * وقاربوا قتلي حين نهيتهم عن ذلك؛ والمراد أني بذلت وسعي في كفهم ولم آل جهدا في منعهم * (فلا تشمت بي الأعداء) * أي فلا تفعل ما يشمتون بي لأجله فإنهم لا يعلمون سر فعلك، والشماتة سرور العدو بما يصيب المرء من مكروه.
وقرىء * (فلا تشمت بي الأعداء) * بفتح حرف المصارعة وضم الميم ورفع الأعداء - حطهم الله تعالى - وهو كناية عن ذلك المعنى أيضا على حد لا أرينك ههنا. والمراد من الأعداء القوم المذكورون إلا أنه أقيم الظاهر مقام ضميرهم ولا يخفى سره * (ولا تجعلني مع القوم الظللمين) * أي لا تجعلني معدودا في عدادهم ولا تسلك بي سلوكك بهم في المعاتبة، أو لا تعتقدني واحدا من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم، فالجعل مثله في قوله تعالى: * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * (الزخرف: 19).
* (قال رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين) *.
* (قال) * استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية الاعتذار كأنه قيل فماذا قال موسى عليه السلام عند اعتذار أخيه؟ فقيل: قال * (رب اغفر لي) * ما فعلت بأخي قبل جلية الحال وحسنات الأبرار سيئات المقربين * (ولأخي) * إن كان اتصف بما يعد ذنبا
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»