تنكسر ألواحه ثم قال: والصواب أن يقال: إنه عليه السلام لفرط حميته الدينية وشدة غضبه لله تعالى لم يتمالك ولم يتماسك أن وقعت الألواح من يده بدون اختيار فنزل ترك التحفظ منزلة الإلقاء الاختياري فعبر به تغليظا عليه عليه السلام فإن حسنات الأبرار سيآت المقربين انتهى.
وتعقبه العلامة صالح أفندي الموصلي عليه الرحمة بأنه لا يخفى أن هذا الإيراد إنما نشأ من جعل قول القاضي حمية للدين مفعولا له لطرحها وهو غير صحيح، فقد صرح في أوائل تفسيره لسورة طه بأن الفعل الواحد لا يتعدى لعلتين وإنما هو مفعول له لشدة الغضب وفرط الضجرة على سبيل التنازع، والتوجيه الذي ذكر للآية هو ما أراده القاضي وتفسيره الإلقاء بالطرح لا ينافي ذلك على ما لا يخفى ا ه، وأقول أنت تعلم أن كون هذا التوجيه هو ما أراده القاضي غير بين ولا مبين على أن حديث كون التعبير بالإلقاء تغليظا عليه عليه السلام منحط عن درجة القبول جدا إذ ليس في السباق ولا في السياق ما يقضي بكون المقام عتاب موسى عليه السلام ليفتي بهذا التغليظ نظرا إلى مقامه صلى الله عليه وسلم بل المقام ظاهر في الحط على قومه كما لا يخفى على من له أدنى حظ من رفيع النظر، والذي يراه هذا الفقير ما أشرنا إليه أولا. وحاصله أن موسى عليه السلام لما رأى من قومه ما رأى غضب غضبا شديدا حمية للدين وغيرة من الشرك برب العالمين فعجل في وضع الألواح لتفرغ يده فيأخذ برأس أخيه فعبر عن ذلك الوضع بالإلقاء تفظيعا لفعل قومه حيث كانت معاينته سببا لذلك وداعيا إليه مع ما فيه من الإشارة إلى شدة غيرته وفرط حميته وليس في ذلك ما يتوهم منه نوع إهانة لكتاب الله تعالى بوجه من الوجوه، وانكسار بعض الألواح حصل من فعل مأذون فيه ولم يكن غرض موسى عليه السلام ولا مر بباله ولا ظن ترتبه على ما فعل، وليس هناك إلا العجلة في الوضع الناشئة من الغيرة لله تعالى، ولعل ذلك من باب * (وعجلت إليك رب لترضى) * (طه: 84) واختلفت الروايات في مقدار ما تكسر ورفع، وبعضهم أنكر ذلك حيث أن ظاهر القرآن خلافه. نعم أخرج أحمد وغيره. وعبد بن حميد. والبزار. وابن أبي حاتم. وابن حبان. والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يرحم الله تعالى موسى ليس المعاين كالمخبر أخبره ربه تبارك وتعالى أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح فتكسر منها ما تكسر " فتأمل ولا تغفل، وما روي عن ابن عباس أن موسى عليه السلام لما ألقى الألواح رفع منها ستة أسباع وبقي سبع، وكذا ما روي عن غيره نحوه مناف لما روي فيما تقدم من أن التوراة نزلت سبعين وقرا يقرأ الجزء منهفي سنة لم يقرأها إلا أربعة نفر. موسى. ويوشع. وعزير. وعيسى عليهم السلام. وكذا لما يذكر بعد من قوله تعالى: * (أخذ الألواح) * فإن الظاهر منه العهد. والجواب بأن الرفع لما فيها من الخط دون الألواح خلاف الظاهر والله تعالى أعلم بحقيقة الحال * (وأخذ برأس أخيه) * أي بشعر رأس هارون عليه السلام لأنه الذي يؤخذ ويمسك عادة ولا ينافي أخذه بلحيته كما وقع في سورة طه أو أدخل فيه تغليبا * (يجره إليه) * ظنا منه عليه السلام أنه قصر في كفهم ولم يتمالك لشدة غضبه وفرط غيظه أن فعل ذلك وكان هارون أكبر من موسى عليهما السلام بثلاث سنين إلا أن موسى أكبر منه مرتبة وله الرسالة والرياسة استقلالا وكان هارون وزيرا له وكان عليه السلام حمولا لينا جدا ولم يقصد موسى بهذا الأخذ إهانته والاستخفاف به بل اللوم الفعلي على التقصير المظنون بحكم الرياسة وفرط الحمية، والقول بأنه عليه السلام إنما أخذ رأس أخيه ليساره ويستكشف منه كيفية الواقعة مما يأباه