فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٥٣٦
المطامح الأصح ما ذكر في هذا الجزء من أن مقر الأرواح في السماء وأنها في حواصل طير ترتع في أشجار الجنة ولعلها مراتع مختلفة تكون الأرواح فيها بحسب درجاتها فالأعلى للأعلى وقال في النوادر الأرواح شأنها عجيب هي خفيفة سماوية وإنما ثقلت بظلمة الشهوات فإذا ريضت النفس وتخلص الروح منها وصفت من كدورة النفس عادت لخفتها وطهارتها قال القاضي وفيه وما قبله أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو مدرك بذاته لا يفنى بوفاة البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتأمله والتذاذه وقال الغزالي رحمه الله تعالى الروح يطلق لمعنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى جميع أجزاء البدن وجريانه وفيضان أنوار الحياة والحس منه على أعضائه يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنيره به فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثاله السراج وسريان الروح وحركته في الباطن مثال حركة السراج في زوايا البيت يتحرك بحركته والأطباء إذا أطلقوا الروح أرادوا هذا وهو بخار لطيف نضجته حرارة القلب وليس من غرض أطباء الدين شرحه بل المتعلق به غرضهم المعنى الثاني وهو اللطيفة العالية المدركة من الإنسان وهو أمر رباني عجيب يعجز أكثر العقول والأفهام عن إدراكه وقال ابن الزملكاني اختلف العقلاء في النفس والروح ويعنون به الذي يشير إليه كل أحد بقوله أنا ومنهم من يخص اسم النفس بهذا والروح بغيره وقد اضطربت المذاهب في ذلك اضطرابا كثيرا ومن يقول الروح هي النفس يحتج بقول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قبض أرواحنا وقوله تعالى * (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) * [الزمر: 24] فلم يفرق بين الروح والنفس وفيه نظر والقول بأنها غير الروح يحتج بخبر إن الله خلق آدم عليه السلام وجعل فيه نفسا وروحا فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووقاره ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه وقال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام * (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) * [المائدة: 116] ولا يحسن ذكر أحدهما في محل الآخر وقد جمع السهيلي بين الظواهر المختلفة بأن الروح مشتق من الريح وهو جسم هوائي لطيف به الحياة فإذا حصلت به الحياة كان روحا حتى يكتب أخلاقا ويقبل على مصالح الجسد فيسمى نفسا وبه يحصل الجواب عن الاحتجاج بالحدين الفارق بين الروح والنفس ثم نبه على التوسع حتى يطلق على الجسد والروح وحاصل ما ذكره يرجع إلى أن الروح لا يقال هي النفس مطلقا بل يفصل كما ذكر (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن سهيل قال البخاري يتكلمون فيه وحفص بن سالم أبو مقاتل السمرقندي قال الذهبي متروك وأبو سهل حسام بن مصك متروك.
2199 - (إن أزواج أهل الجنة) زاد في رواية من الحور (ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط) أي بأصوات حسان ما سمع في الدنيا مثلها أحد قط، وتمام الحديث وإن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام وفي رواية وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه. نحن
(٥٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 ... » »»