فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٥٣٥
رضي الله عنها مع أن له ستمائة جناح كل جناح يسد الأفق وعلى الأول فالأرواح تنتقل إلى جسم آخر وعليه اتفق العقلاء لكن هل تكون مدبرة لذلك الجسم؟ قال كثير من أهل السنة نعم وقال الحكماء لا يصح ذلك وإلا لكان تناسخا وإنما تستعمل تلك الأجرام لإمكان التخيل فيتخيل الصور التي كانت معتقدة عنده فإن كان اعتقاده في نفسه وأفعاله خيرا شاهدت الخيرات الأخروية على حسب ما تخيلتها وإلا شاهدت العقاب كذلك وجعلوا فائدة التعلق الإفضاء بهم إلى الاستعداد للاتصال المسعد الذي للعارفين الفائزين وأحالوا كون الجسم من جنس ما كانت فيه لئلا يلزم التناسخ ووافق محققو الصوفية على جواز كونها مدبرة لذلك الجسم ومنعوا التناسخ لأن لزومه على عدم تقدير عودها إلى جسم نفسها الذي كانت فيه والعود الحاصل في النشأة الجنانية وإنما هذا التعلق في النشأة البرزخية (تعلق) بضم اللام أي تأكل تلك الطير بأفواهها (من ثمرة الجنة) فتجد بواسطة ريح الجنة ولذتها وبهجتها وسؤددها ما لم تحط به العقول، قال الطيبي: الظاهر أن يقال تعلق بشجر الجنة وتعديته بالباء تفيد الاتصال والإلحاق ولعله كنى عن الأول لأنها إذا تصلت بشجر الجنة وتشبثت بها أكلت من ثمارها ووصف الطير بالخضرة يحتمل أن يراد به كون لونها كذلك فيحتمل أن يراد أنها غضة ناعمة، قال ابن القيم:
وذا صريح في دخول الأرواح الجنة قبل القيامة وبه يمنع قول المعتزلة وغيرهم إن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن (تنبيه) قال العلم البلقيني قال السبكي رضي الله عنهما سمعت عمي يعني أبا البقاء يقول كنا حاضرين في الدرس عند قاضي القضاة ابن بنت الأعز وهو يلقي في حديث (إن أرواح الشهداء، إلخ) فحضر العلم العراقي فاستقر جالسا حتى قال على وجه السؤال لا يخلو إما أن يحصل للطير الحياة بتلك الأرواح أم لا والأول عين ما تقوله التناسخية والثاني مجرد للأرواح وسجن فأجاب التاج السبكي بأن نلتزم الثاني وله يلزم كونه مجرد حبس وسجن لجواز أن يقدر لها في تلك الحواصل من السرور والنعيم ما ليس في الفضاء الواسع (عجيبة) رأيت في تذكرة المقريزي بخطه في ترجمة الشاطبي عن السهيلي أن رجلا من أشياخ البلد جاءه فقال أخبرك يا أستاذ بعجيبة مات لي جار فرأيته البارحة في النوم فقلت له ما لقيت قال خيرا فأعلمك أن زوجتي يكتب صداقها غدا وتحضره أنت وأنا قلت كيف تحضر وأنت ميت قال إذا مشيت لحضور الصداق تجد في وسط الدار شجرة ريحان فإذا رأيت على غصن منها طير أخضر فهو أنا فلما أصبحت جاءني رجلان فقالا جارك فلان يزوج ابنته فدخلت الدار فرأيت الشجرة وجلست حذاءها وكتبت الصداق ووقع خلاف في بعض الشروط وإذا طائر صغير أخضر نزل على أغصانها ثم ذهب فقال أهل المجلس مالك لا تصلح بين الجماعة فقلت شغلني أمر عجيب فأخبرتهم فحلفت المرأة أن لا تزوجت أبدا (ت عن كعب بم مالك) ورواه عنه أيضا الطبراني قال الهيثمي وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح.
2198 - (إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة) وذلك لأنهم لما بذلوا أبدانهم حتى مزقتها أعداء الله شكر لهم ذلك بأن رفع محل أرواحهم وأدنى مقعدها قال في
(٥٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 530 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 ... » »»