البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٤١٨
تدل على وقوعه فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها، كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع فاستعملت كان في مرة واحدة، ولا يقال لعلها طيبته في إحرامه لأن المعتمر لا يحل له التطيب قبل الطواف بالاجماع فثبت أنها استعملت كان في مرة واحدة كما قال الأصوليون. ذكره النووي في شرح مسلم من باب الوتر، واختاره المحقق في التحرير فإنه اختار أن إفادتها للتكرار من جهة الاستعمال لا من جهة الوضع لكن الاستعمال مختلف كما رأيت. وقد علم مما ذكرنا أن التقييد بالانقاء إنما هو لحصول السنة حتى لو لم ينق فإن السنة قد فاتت لا أنه قيد للجواز. وأطلق الخارج ولم يقيده بكونه معتادا ليفيد أن غير المعتاد إذا أصاب المحل كالدم يطهر بالحجارة على الصحيح، سواء كان خارجا منه أو لا، وليفيد أنه لا فرق بين أن يكون الغائط رطبا ولم يقم من موضعه أو قام من موضعه أو جف الغائط فإن الحجر كاف فيه، وفي الثاني خلاف ذكره في السراج الوهاج.
وأراد بنحو الحجر ما كان عينا طاهرة مزيلة لا قيمة له كالمدر والتراب والعود والخرقة والقطن والجلد الممتهن، فخرج الزجاج والثلج والآجر والخزف والفحم.
قوله: (وما سن فيه عدد) أي في الاستنجاء لما قدمنا من أن المقصود إنما هو الانقاء، وشرط الشافعي الثلاث مبني على أن الاستنجاء فرض ولا نقول به، وذكر الثلاث في بعض الأحاديث خرج مخرج العادة لأن الغالب حصول الانقاء بها، أو يحمل على الاستحباب بدليل أنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف جاز عندهم، وبدليل أنه لما أتى له عليه الصلاة والسلام بحجرين وروثة ألقى الروثة واقتصر على الحجرين. كذا ذكر أئمتنا، وتعقبه شيخ الاسلام ابن حجر في فتح الباري بأن الامر أولا بإتيان ثلاثة أحجار يغني عن طلب ثالث بعد إلقاء الروثة، وبأنه ورد في بعض الروايات الصحيحة أنه طلب منه ثالثا وأتى له به. وبما قررناه علم أن المراد نفي السنة المؤكدة وإلا فقد صرحوا بالاستحباب كما قدمناه. قوله: (وغسله بالماء أحب) أي غسل المحل بالماء أفضل لأنه قالع للنجاسة والحجر مخفف لها فكان الماء أولى.
كذا ذكره الشارح الزيلعي، وهو ظاهر في أن المحل لم يطهر بالحجر، ويتفرع عليه أنه يتنجس السبيل بإصابة الماء وفيه الخلاف المعروف في مسألة الأرض إذا جفت بعد التنجس ثم أصابها ماء وكذا في نظائرها. وقد اختاروا في الجميع عدم عود النجاسة كما قدمناه عنهم فليكن كذلك هنا. ويدل على ذلك من السنة ما رواه الدارقطني وصححه عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم نهى
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»
الفهرست