المبسوط - السرخسي - ج ٢٧ - الصفحة ٨٦
تلزمه لمحو ذلك الاثم والاثم في حق قاتل العمد ليس من ذلك الجنس حتى تمحوه الكفارة ثم إن الله تعالى ذكر أنواع قتل الخطأ ما يكون منه بين المسلمين وما يكون في دار الحرب لقوله تعالى فإن كان من قوم عدو لكم أي في قوم عدو لكم وما يكون في حق أهل الذمة لقوله وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ونص على ايجاب الكفارة في كل نوع ففيه أشاره إلا أنه لا مدخل للقياس فيه إذ لو كان للقياس مدخل لنص على الكفارة في نوع من الخطأ ليقاس عليه سائر الأنواع وقال عليه السلام خمس من الكبائر لا كفارة فيهن ومن جملتها قتل نفس بغير حق والمشهور من حديث وائلة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد أوجب النار فيحتمل أن ذلك بسبب آخر غير القتل ولان صح قوله بالقتل فهو محمول على القتل بالحجر والعصا الكبير ثم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم التطوع بالاعتاق عنه (ألا ترى) أنه خاطب به غير القاتل والكفارة لا تجب على غير القاتل والمعنى فيه أن هذا محظور محض فلا يكون سببا لايجاب الكفارة كالزنا والسرقة وتفسير الوصف انه حرام ليس فيه شبهة الإباحة وتأثيره أن الكفارة دائرة بين العباد والعقوبة فسببهما ما يكون دائرا بين الحظر والإباحة فكما أن المباح المحض وهو القتل بحق لا يصلح سببا للكفارة فكذلك المحظور المحض وإنما السبب القتل الخطأ لأنه باعتبار أصل الفعل مباح وباعتبار المحل الذي أصابه محظور فكان جائزا وشبه العمد كذلك فان القصد به التأديب والتأديب مباح والقتل بالحجر الكبير عند أبي حنيفة ليس بمحظور محض أيضا من حيث أن الآلة باعتبار جنسها ليس بآلة القتل فتتمكن فيه الشبهة ولهذا لم يجعله موجبا للقود ولا يدخل على هذا قتل الأب ابنه عمدا فإنه محظور محض وإنما لم يكن موجبا للقصاص لانعدام الأهلية فيمن يجب عليه وكذلك قتل المسلم الذي لم يهاجر الينا محظور محض وإنما لا يكون موجبا للضمان لانعدام الاحراز بالدار وبه لا تخرج الفعل من أن يكون محظورا محضا وكذلك المسلم يقتل المستأمن عمدا فان الفعل محظور محض وإنما لم يجب القصاص به لانعدام تمام لاحراز ثم قد بينا أنه لا مدخل للقياس في هذه المسألة عندنا من الوجوه الذي بيناها وكلامه على طريق الاستدلال ممنوع فان الكفارة وجبت عندنا بطريق الشكر لان الشرع لما عذره بالخطأ وسلم له نفسه فلم يلزمه القصاص مع تحقق الفعل منه كان عليه أن يقيم نفسا مقام نفسه شكرا لله تعالى وذلك في أن يحرر شبحا ليتفرغ لعبادة الله تعالى فإذا عجز عن ذلك شغل نفسه بعبادة
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست