المبسوط - السرخسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٣٤
خلف عن الاسلام في معنى الحقن والخلف يعمل عمل الأصل عند عدم الأصل وهذا الحقن والتقوم إنما يثبت بالاحراز والاحراز بكون بالدار لا بالدين لان الاحراز بالدين إنما يكون في حق من يعتقده فأما الاحراز بقوة أهل الدار فيكون في حق الكل والذمي في الاحراز مساو للمسلم لأنه من أهل دارنا حقيقة وحكما والدليل عليه أن الاحراز يؤثر في المال والنفس جميعا ثم في المال احراز الذمي كاحراز المسلم حتى يجب القطع بسرقة مال الذمي وحد السرقة أقرب إلى السقوط عند تمكن الشبهة من القصاص ولا يدخل عليه المقضى عليه بالرجم لأنا لا نقول يباح قتله لنقصان في احراز كل جزء على جريمته فأما الاحراز فقائم في المال والنفس جميعا وهاهنا ان سلم لنا ان الاحراز في حق المسلم والذي سواء يتضح الكلام فإنه لا يمكنه أن يدعى بعد ذلك بقاء الشبهة بسبب اصراره علي الكفر لان المبيح كان هو القتال دون الكفر كما قال الله تعالى فان قاتلوكم فاقتلوهم ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة قال هاه ما كانت هده تقاتل فلم قتلت والقتال ينعدم بالاحراز في حق الذمي أصلا كما ينعدم في حق المسلم وقد قررنا هذا في السير وإذا ثبت انتفاء الشبهة والمساواة في الاحراز ثبتت المساواة بينهما في حكم القصاص فلا يجوز أن تكون فضيلة الاسلام في القاتل مانعا لان طريان هذه الفضيلة لا تمنع الاستيفاء فلو كان اقترانها بالسبب يمنع الوجوب لكان طريانها يمنع الاستيفاء كفضيلة الأبوة وفضيلة الاسلام في المنكوحة فإنه لما كان يمنع ابتداء النكاح عليها للكافر يمنع الوطئ إذا طرأ بعد النكاح فاما المسلم إذا قتل مستأمنا فلا قصاص عليه على طريق الاستحسان لانعدام المساواة في الاحراز فالمستأمن غير محرز نفسه بدار الاسلام على التأبيد ولهذا لا يوجب القطع بسرقة ماله لبقاء الشبهة المبيحة وهي المحاربة فإنه ممكن من أن يرجع إلى دار الحرب فيعود حربا للمسلمين وبهذا الطريق نقول لا يقتل الذمي بالمستأمن أيضا خلافا للشافعي لان الذمي محرز نفسه بدارنا علي التأبيد فلا تتحقق المساواة بينه وبين المستأمن فأما الآيات في نفى المساواة بين الكفار والمؤمنين فالمراد بها في أحكام الآخرة وذلك مبين في آخر كل آية وأما قوله عليه السلام المسلمون تتكافؤ دماؤهم فمن أصلنا أن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفى ما عداه فلا يكون هذا بيان أن دماء غير المسلمين لا تكافئ دماء المسلمين وأما قوله عليه السلام لا يقتل مؤمن بكافر فهو غير مجري على ظاهره بالاتفاق لان القاتل إذا أسلم يقتل قصاصا وفيه قتل مؤمن بكافر ثم المراد به الحربي يعنى من لا يحل قتله من أهل الحرب كالنساء والصبيان فإنه لا يقتل
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»
الفهرست