هذا فساد فقد جوزتم بيع الحنطة الرطبة بالحنطة الرطبة كيلا بكيل والرطوبة صفة حادثة بصنع العباد كالقلي (قلنا) الحنطة في الأصل تخلق رطبة ويكون مال الربا على هذه الصفة فإذا بلت بالماء عادت إلى تلك الصفة فإذا وجدت المماثلة علي الوجه الذي صارت مال الربا جاز العقد وهي لا تخلق في الأصل مقلوة حتى يكون هذا إعادة إلي تلك الصفة فيها فأما بيع الرطب بالتمر كيلا بكيل يجوز في قول أبي حنيفة ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهما الله لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال صلى الله عليه وسلم أينقص إذا جف قالوا نعم فقال عليه الصلاة والسلام فلا إذا وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه ان النبي عليه السلام نهى عن بيع الرطب بالتمر كيلا وعن بيع العنب بالزبيب كيلا ثم في قوله عليه السلام أينقص إذا جف إشارة إلى أنه يشترط لجواز العقد المماثلة في أعدل الأحوال وهو ما بعد الجفاف ولا يعرف ذلك بالمساواة في الكيل في الحال فهذا الحديث دليل الشافعي رضي الله عنه أيضا في المسألة الأولى من هذا الوجه واعتبار المماثلة في أعدل الأحوال صحيح كما في بيع الحنطة بالدقيق فإنه لا يجوز لتفاوت بينهما بعد الطحن ولان العقد جمع بين البدلين أحدهما على هيئة الادخار والآخر ليس علي هيئة الادخار ولا يتماثلان عند التساوي في الصفة فلا يجوز بيع المقلية بغير المقلية وهذا بخلاف الجودة والرداءة فالرداءة من نوع العيب والرطوبة في الرطب ليس بعيب فان العيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة فأما مالا يخلو عن أصل الفطرة السليمة لا يكون عيبا كالصغير في الآدمي وانعدام العقل بسببه وهذا بخلاف الحديث مع العتق وكل واحد من البدلين هناك علي هيئة الادخار ثم الحديث إذا عتق لا يظهر فيه التفاوت الا شئ يسير لا يمكن التحرز عنه وذلك عفو كالتراب في الحنطة ودخل أبو حنيفة بغداد فسئل عن هذه المسألة كانوا أشد يدا عليه لمخالفته الخبر فقال الرطب لا يخلو إما أن يكون تمرا أوليس بتمر فإن كان تمرا جاز العقد عليه لقوله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر وإن لم يكن تمرا جاز لقوله صلى الله عليه وسلم وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم فأورد عليه حديث سعد رضي الله تعالى عنه فقال مدار هذا الحديث على زيد بن أبي عياش وزيد بن أبي عياش لا يقبل حديثه واستحسن منه أهل الحديث هذا الطعن حتى قال ابن المبارك كيف يقال أبو حنيفة لا يعرف الحديث وهو يقول زيد بن أبي عياش ممن لا يقبل حديثه وهذا الكلام في المناظرة يحسن لدفع شغب
(١٨٥)