المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ١١٥
عما عليه مقتضى اللغة وانه ليس المراد من الربا الزيادة فإنه ليس في السلم في السن زيادة خالية عن العوض وقد جعله من الربا الذي لا يكاد يخفى على أحد ولئن كان المراد الزيادة فإنما أراد فضلا قائما في الذات لان المطعوم إذا قوبل بجنسه لا يتساويان في الطعم الا نادرا ولا ينبنى الحكم عن النادر فذلك الفضل القائم في الذات حرام وربا إلا أنه سقط اعتباره شرعا بالمساواة في القدر تيسيرا على الناس فتبين بهذا أن الحرمة أصل أيضا وفى ذكر الطعام ما يدل على أن العلة هي الطعم لان الطعام اسم مشتق منه معنى والحكم إذا علق باسم مشتق من معنى فالمعنى الذي اشتق منه الاسم هو العلة للحكم كما في قوله تعالى (الزانية والزاني) وفى قوله تعالى (السارق والسارقة) ومن حيث الاستدلال وهو أن الشرع شرط لجواز البيع في هذه الأموال شرطين المساواة واليد باليد فعرفنا أن الموجب لهذين الشرطين معنى في المحل ينبئ عن زيادة شرطين الولي والشهود كان ذلك دليلا على أن الموجب للشرطين معنى في المحل ينبئ عن زيادة خطر وهو أن المستحق به ما في حكم النفوس ثم هنا المعنى ينبئ عن الخطر في الذهب والفضة الثمنية لأنهما خلقا لذلك وبالثمنية حياة الأموال والمعنى ان الذي ينبئ عن زيادة الخطر في الأشياء الأربعة الطعم لان بالطعم حياة النفوس فعرفنا ان العلة الموجبة لهذين الشرطين الطعم والثمنية ولهذا جعلنا الجنسية شرطا لا علة لان الحكم يدور مع الشرط وجودا وعدما كما يدور مع العلة والفرق بينهما بالتأثير فإذا لم يكن في الجنسية ما ينبئ عن زيادة الخطر ولا يثبت الحكم إلا عند وجوده جعلنا شرطا لا علة وبهذا تبين فساد التعليل بالقدر فإنه لا ينبئ عن زيادة خطر في المحل لان الجص شئ هين يكال فلا يتعلق به حياة نفس ولا مال إنما هو معد لتزين البناء ولان الشرع ذكر عند بيان حكم الربا جميع الأثمان وهي الذهب والفضة وذكر من المطعومات أنفس كل نوع فالحنطة أنفس مطعوم بني آدم والشعير أنفس علف الدواب والتمر أنفس الفواكه والملح أنفس التوابل فلما أراد المبالغة في بيان حكم الربا ولم يمكنه ذكر جميع المطعومات نص من كل نوع على أعلاه ليبن بذلك أن العلة هي الطعم فاما إذا جعل العلة القدر يتمحض ذكر هذه الأشياء تكرارا لان صفة القدر لا تختلف في الأشياء الأربعة وحمل كلام صاحب الشرع على ما يفيد أولى ولهذا قال مالك العلة الاقتيات لأنه خص بالذكر كل مقتات مدخر وقال ابن سيرين العلة تقارب المنفعة لوجود ذلك في الأشياء المذكورة فان الحنطة مع الشعير تتقارب في المنفعة
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست