قالا لا اعتكاف الا بصوم ومذهبه مروى عن ابن مسعود وعن علي فيه روايتان احدى الروايتين مثل قولنا والثاني ما روى عنه قال ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب ذلك على نفسه فالشافعي رحمه الله تعالى استدل بهذا وبحديث عمر رضي الله عنه في سؤاله انى نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالنذر والليل لا يصام فيه ولان ابتداء الاعتكاف من وقت غروب الشمس في حق من نذر أن يعتكف شهرا وما يكون شرط العبادة اقترانه بأوله كالطهارة للصلاة وكذلك الاعتكاف بدوام الليل والنهار ولا صوم بالليل فتبين بهذا انه ليس شرط الاعتكاف ولا هو ركنه لأن الصوم أحد أركان الدين والاعتكاف نفل زائد فلا يكون الأقوى ركنا للأضعف بل هو زائد في معنى القربة على ما يتم به الاعتكاف فيلزمه التنصيص عليه كالتتابع في الصوم والقران في الحج (ولنا) ان النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتكف الا صائما والأفعال المتفقة في الأوقات المختلفة لا تجرى على نمط واحد الا لداع إليه وليس ذلك الا بيان انه من شرائط الاعتكاف والمعنى فيه أنه لو قال لله على أن أعتكف صائما يلزمه الجمع بينهما وبقوله صائما ولا يصح ان يجعل نصبا على المصدر كما يقال ضربته وجيعا أي ضربا وجيعا فإنه حينئذ يصير كأنه قال اعتكف اعتكافا صائما والصوم لا يكون صفة للاعتكاف فالاعتكاف لبث في مقام لتعظيم ذلك المقام والصوم كف النفس عن اقتضاء الشهوات اتعابا للبدن فكيف يكون صفة للاعتكاف فعرفنا انه نصب على الحال كما يقال دخل الدار راكبا والحال خلو عن الايجاب لأنه صفة الموجب لا الواجب ومع ذلك يلزمه الجمع بينهما فعرفنا أنه إنما لزمه لأنه شرط الاعتكاف كمن يقول أصلى طاهرا وشرط الشئ يتبعه فيثبت بثبوته سواء ذكر أو لم يذكر بخلاف قوله أصوم متتابعا فإنه نصب على المصدر لان التتابع صفة الصوم وبخلاف قوله أصلى قائما فإنه ينصب قائما على المصدر يقال صلاة قائمة وبخلاف قوله أحج قارنا فان العمرة بالانضمام إلى الحج يزداد فيها معنى القربة ولهذا لزمه دم القران وهو دم نسك وعن كلامه جوابان أحدهما ان الصوم شرط الاعتكاف والشرائط إنما تثبت بحسب الامكان ولا يمكن اشتراط الصوم ليلا فسقط للتعذر وجعل الليل تبعا للأيام كما أن الشرب والطريق يجعل تبعا في بيع الأرض والثاني ان شرط الاعتكاف أن يكون مؤدى في وقت الصوم وبوجود الصوم في النهار يتصف جميع الشهر بأنه وقت الصوم ودليله شهر رمضان
(١١٦)