إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ٣٣٠
الرضيع. وقوله لبن: أي ولو مخيضا، ومثل الزبد والجبن والأقط والقشطة لان ما ذكر في حكم اللبن، بخلاف السمن الخالص من اللبن. والمصل، وهو الذي يسيل من الجبن والأقط، واعتمد بعضهم التحريم بالسمن الخالص لما فيه من الدسم. وقوله آدمية: أي حية حياة مستقرة في حال انفصال اللبن منها وإن لم يشربه إلا بعد موتها. وخرج بالآدمية الرجل فلا تثبت حرمة بلبنه على الصحيح لأنه ليس معدا للتغذية، فأشبه غيره من المائعات، لكن يكره له ولفرعه نكاح من ارتضعت بلبنه. وخرج أيضا الخنثى المشكل والمذهب أنه يوقف الامر فيه إلى البيان، فإن بان أنثى حرم لبنه وإلا فلا.
فلو مات قبله لم يثبت التحريم، فللذي ارتضع منه نكاح أم الخنثى ونحوها والبهيمة. فلو ارتضع صغيران من شاة مثلا لم تحرم مناكحتهما والجنية بناء على عدم صحة مناكحتنا للجن. أما على صحة ذلك فهم كالآدميين. فلو أرضعت جنية صغيرا ثبت التحريم وإن لم تكن على صورة الآدمية أو كان ثديها في غير محله المعتاد. وخرج بقولي حية الميتة فلا يثبت الرضاع بلبنها لأنه منفصل من جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة. وبحياة مستقرة من أنتهت إلى حركة المذبوح فلا يثبت الرضاع بلبنها أيضا (قوله: بلغت سن حيض) الجملة صفة لآدمية. أي آدمية موصوفة بكونها بلغت سن الحيض، أي ولو كانت بكرا خلية. وسن الحيض هو تسع سنين قمرية، ويكفي كون التسع تقريبية، على المعتمد: كما في الحيض، ولا يشترط أن تكون تحديدية. فلو انفصل اللبن منها قبل التسع بما لا يسع حيضا وطهرا، وهو أقل من ستة عشر يوما، كان محرما. وخرج بذلك من لم تبلغ سن حيض بأن انفصل منها قبل التسع بما يسع حيضا وطهرا، وهو ستة عشر يوما فأكثر، فلا يؤثر، وذلك لأنها لا تحتمل حينئذ الولادة واللبن فرعها (قوله: ولو قطرة) غاية في اللبن المحرم وصوله:
أي يحرم وصول اللبن ولو كان قطرة، والمراد في كل رضعة (قوله: أو مختلطا بغيره) غاية ثانية: أي ولو كان مختلطا بغيره مائعا كان أو جامدا فإنه يحرم. وقوله وإن قل أي اللبن المخلوط مع غيره. ثم إن كان اللبن المخلوط غالبا بأن بقي طعمه أو لونه أو ريحه أثر التحريم مطلقا، سواء شرب البعض أو الكل، وإن كان مغلوبا بأن زال طعمه أو لونه أو ريحه حسا وتقديرا بالأشد، فإن شرب الكل أثر التحريم لتيقن شرب اللبن، وإلا فلا (قوله: جوف) بالنصب على الظرفية متعلق بوصول: أي وصوله في جوفه، أي معدته أو دماغه. فالمراد بالجوف ما يحيل الغذاء أو الدواء. والمراد الوصول مطلقا، ولو بإسعاط، بأن يصب اللبن في أنفه فيصل إلى دماغه، لا بحقنة، بأن يصب اللبن في دبره فيصل إلى معدته أو بتقطير في قبل أو أذن لعدم التغذي بذلك. ومن هنا يظهر أنه لا أثر لوصوله لما عدا المعدة والدماغ وإن وصل إلى حد الباطن المفطر للصائم. وقوله رضيع: أي حي حياة مستقرة، فلا أثر لوصوله جوف من حركته حركة مذبوح أو ميت اتفاقا لانتفاء التغذي (قوله: لم يبلغ حولين) الجملة صفة لرضيع: أي رضيع موصوف بكونه لم يبلغ عمره حولين، أي بالأهلة إن وقع انفصال الرضيع أول الشهر الأول، فإن انكسر الشهر بأن وقع انفصاله في أثنائه تمم العدد من الخامس والعشرين شهرا ثلاثين يوما. وخرج بلم يبلغ حولين ما لو بلغهما فلا يؤثر ارتضاعه تحريما. وذلك لخبر الدارقطني لا رضاع إلا ما كان في الحولين وما ورد مما خالف ذلك في قصة سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه فإن زوجته كرهت دخوله عليها فأرشدها رسول الله (ص) إلى إرضاعه حيث قال لها أرضعيه: فمخصوص به أو منسوخ. وابتداؤهما يعتبر من تمام انفصال الرضيع.
فلو ارتضع قبل تمامه لم يؤثر. ولو تم الرضيع حولين في أثناء الرضعة الخامسة أثر على المذهب لان ما يصل إلى الجوف في كل رضعة غير مقدر حتى لو لم يصل في كل رضعة إلا فطرة: كفى، كما تقدم (قوله: يقينا) قيد في انتفاء بلوغه الحولين، أي يعتبر انتفاء بلوغه الحولين يقينا. فلو شك هل بلغهما أم لا؟ لم يؤثر الرضاع حينئذ للشك في سبب التحريم (قوله: خمس مرات) حال من وصول: أي حال كون وصول اللبن في جوف الرضيع خمس مرات أو ظرف متعلق به، أي وصوله من خمس مرات. وقوله يقينا، قيد في الخمس مرات. فلو شك في كونه خمسا أو أقل لم يؤثر لان الأصل عدم الخمس، لكن لا يخفى الورع. والحكمة في اعتباره خمس مرات أن الحواس التي بها الادراك خمس: وهي السمع والبصر والشم والذوق والمس، فكأن كل رضعة تحفظ حاسة. وقيل يكفي رضعة واحدة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما، ثم إن ظاهر العبارة أنه يكفي وصول اللبن الجوف خمس مرات ولو انفصل اللبن من الثدي دفعة
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»
الفهرست