إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ٢٩٤
(تتمة) تعرض المصنف للقطة ولم يتعرض للقيط، وحاصل الكلام عليه أنه إذا وجد لقيط، أي صغير، ضائع لا يعلم له كافل من أب أو جد أو من يقوم مقامهما أو مجنون بالغ بقارعة الطريق فأخذه وكفالته وتربيته واجبة على الكفاية لقوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * (1) ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره، فإذا التقطه بعض من هو أهل لحضانة اللقيط الاثم عن الباقي، فإن لم يلتقطه أحد أثم الجميع، ولو علم به واحد فقط تعين عليه، ويحب الاشهاد على التقاطه خوفا من أن يسترقه اللاقط، ولو كان ظاهر العدالة، وفارق الاشهاد على التقاط اللقطة حيث لم يجب بأن الغرض منها المال غالبا والاشهاد في التصرف المالي مستحب ولان الغرض منه حفظ حريته ونسبه فوجب الاشهاد عليه، كافي النكاح، فإنه يجب الاشهاد عليه لحفظ نسب الولد لأبيه وحريته، وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط. ويجب الاشهاد على ما معه من المال تبعا له، وإن كان لا يجب الاشهاد على المال وحده، فلو ترك الاشهاد لم تثبت له ولاية الحفظ، بل ينزعه منه، وجوبا، الحاكم دون الآحاد، ثم إن لم يوجد له مال فنفقته في بيت المال من سهم المصالح، فإن لم يكن في بيت المال مال أو كان ثم ما هو أهم منه اقترض عليه الحاكم، فإن عسر الاقتراض وجب على موسرينا قرضا عليه إن كان حرا، وإلا فعلى سيده. وقد نظم ابن رسلان مبحث اللقيط في زبده فقال:
للعدل أن يأخذ طفلا نبذا * فرض كفاية وحضنه كذا وقوته من ماله بمن قضى * لفقده أشهد ثم اقترضا وعليه إذ يفقد بيت المال * والقرض خذ منه لذي الكمال (واعلم) أن اللقيط في دار الاسلام، أو ما ألحق بها، مسلم تبعا للدار إلا إن أقام كافر بينة بنسبه فيتبعه في النسب والدين فيكون كافرا تبعا له، بخلاف ما إذا استلحقه بلا بينة لأنه قد حكم بإسلامه تبعا لدار الاسلام أو ما ألحق بها وهي دار الكفر التي بها مسلم يمكن كونه منه ولو أسيرا منتشرا أو تاجرا، ولا يكفي اجتيازه بدار الكفر، بخلافه بدار الاسلام فإنه يكفي اجتيازه بها لحرمتها. ولو وجد اللقيط بدار الكفر التي لا مسلم بها فهو كافر وهو حر وإن ادعى رقه لاقط أو غيره لان غالب الناس أحرار إلا أن تقام برقه بينة متعرضة لسبب الملك كإرث أو شراء: كأن تشهد أنه رقيق لفلان ورثه من أبيه أو اشتراه، وإلا إن أقر بالرق بعد كماله لشخص ولم يكذبه المقر له، بأن صدقه أو سكت ولم يسبق منه قبل إقراره بالرق بعد كماله إقرار بحرية، أما إذا كذبه المقر له فلا يقبل إقراره بالرق له، وإن عاد المكذب وصدقه لأنه لما كذبه حكم بحريته بالأصل فلا يعود رقيقا، وكذا لو سبق منه قبل إقراره بالرق بعد كماله إقرار بحرية لأنه لما حكم بحريته بإقراره السابق لم يقبل إقراره بالرق بعد ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) سورة المائدة، الآية: 32.
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»
الفهرست