وكان ثلاثين رأسا، وكانت الصحابة كذلك، فقرأ عليه أبو سعيد، الفاتحة ثلاث مرات فكأنما نشط من عقال وإنما رقاه بالفاتحة، دون غيرها، لأنه (ص) قال: فاتحة الكتاب شفاء لكل داء، ثم توقفوا في ذلك فقالوا، كيف نأخذ أجرا على كتاب الله تعالى؟ فلما قدموا المدينة أتوا النبي (ص) وسألوه عن ذلك، فقال: إن أحق - وفي رواية إن أحسن - ما أخذتم عليه أجرا، كتاب الله تعالى زاد بعضهم: اضربوا لي معكم بسهم وإنما قال (ص) ذلك تطييبا لقلوبهم، لا طلبا لنصيب معهم حقيقة، وأيضا، الحاجة قد تدعوا إليها، فجازت كالإجارة، لان القياس يقتضي جواز كل ما دعت إليه الحاجة، ويستأنس للجعالة بقوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير) * وكان الحمل معلوما عندهم، كالوسق، وإنما كان هذا استئناسا، لا دليلا، لأنه في شرع من قبلنا، وهو ليس شرعا لنا، وإن ورد في شرعنا ما يقرره على الراجح، وقد نظم معظم ما مر ابن رسلان في زبده فقال:
صحتها من مطلق التصرف بصيغة وهي بأن يشرط في ردود آبق وما قد شاكله معلوم قدر حازه من عمله وفسخها قبل تمام العمل من جاعل عليه أجر المثل والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان المساقاة، والمزارعة، والمخابرة، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل، وذكرت عقب الإجارة، لان كلا استيفاء منفعة بعوض، ولاشتراط التأقيت فيها، وغير ذلك، والأصل في المساقاة، خبر الصحيحين أنه (ص): عامل أهل خيبر على نخلها وأرضها على ما يخرج منها من ثمر أو زرع لأنه لما فتحها ملك نخلها وزرعها، فصار الزرع من عند المالك، فقام مقام البذر، فكانت مساقاة ومزارعة، وهي تصح، تبعا للمساقاة، كما سيأتي، والحاجة داعية إليها، لان مالك الأشجار، قد لا يحسن العمل فيها، أو لا يتفرغ له، ومن يحسن ويتفرغ، قد لا يكون له أشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال، وهذا إلى العمل، وأركانها: مالك، وعامل، وعمل، ومورد، وثمر، وصيغة. وكلها تعلم مما يأتي (قوله: تجوز المساقاة) أي من جائز التصرف، وهو الرشيد المختار، دون غيره، كالقراض، وتصح لصبي، ومجنون، وسفيه ومن وليهم، عند المصلحة (قوله: وهي الخ) أي شرعا، وأما لغة، فهي مشتقة من السقي، بفتح السين، وسكون القاف، وتخفيف الياء، وإنما اشتققت منه، لاحتياجها إليه غالبا، لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤنة، لا سيما في أرض الحجاز، فإنهم يسقون من الآبار، وقيل مشتقة من السقي، بكسر القاف، وتشديد الياء، وهو صغار النخل، وعليه إنما اشتقت منه، لأنه موردها. والأول أظهر، لان السقي عليه مصدر، والاشتقاق منه ظاهر (قوله: أن يعامل المالك غيره) أي بصيغة، كما يفيده قوله بعد معين في العقد، إذ هو يفيد أن المعاملة تكون بعقد، أي صيغة، نحو ساقيتك على هذا النخل، أو العنب، أو أسلمته إليك لتتعهده بكذا، وقد اشتمل التعريف المذكور على أركان المساقاة، وهي ستة: مالك، وعامل، وعمل، وثمر، وصيغة، ومورد، فقوله معين في العقد، إشارة إلى الصيغة، وقوله المالك غيره، هما الركنان الأولان، (وقوله: على نخل أو شجر) هو السادس، وقوله لتتعهده، هو الثالث، إذ التعهد عمل. وقوله على أن الثمرة الخ، هو الرابع (قوله: على نخل أو شجر عنب)، متعلق بيعامل، وما ذكر، هو المورد، كما مر (قوله: مغروس الخ) صفة لكل من نخل وشجر، وذكر ثلاثة شروط للمورد، وهي، الغرس، والتعيين في العقد، والرؤية. وبقي عليه شرطان، كونه بيد عامل، وكونه لم يبد صلاح ثمره، سواء ظهر أو لا، فلا تصح على غير مغروس، كودي، ليغرسه، ويتعهده، وتكون الثمرة بينهما، كما لو سلمه بذرا ليزرعه، ولان الغرس ليس من عمل المساقاة فضمه إليه يفسده، ولا على مبهم، كأحد البساتين، ولا على غير مرئي لهما عند العقد، وذلك للجهل بالمعقود