فأصدرت الرسول إلي بوعد أكذب من السراب الخادع، وأخيب من بارقة صيف خالبة اللوامع، حسبت أنك ألقيت إلي منه بحبل واصل، ولم أخل أنك ألقيت إلي بخيط باطل، قد ضربت أنت على أحد طرفيه بيد المطل، وضربت أنا على الطرف الآخر بيد عسى ولعل، حتى قالت لي النفس، أما غلب على رجائك اليأس، وإنك لتغمز بأنمل الرجاء، في صدر حجارة صماء، فقلت لها أيتها النفس إنك لامارة، ما عليك من ذلك وإن من الحجارة، وإني إنما أهز بنسيم المدح غصنا، منه ثمار المعروف ببنان الآمال تقطف وتجني، حتى لم يبق في قوس الأنظار منزع، ولا في صدر الاعذار مدفع، فنظمت في استقضاء ذلك الوعد قطعة من العتب، فيها ذكرى لمن كان له قلب، قد أوحى منها لسان قلمي مسمعا، ما لو أنزلناه على جبل لرأيته خاشعا متصدعا، فقلت:
كلما زادك المحب اقترابا * زدت عنه تباعدا واجتنابا (904)