الجهل بمكانه ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب. وإذا كان معروفا فقد استغني بمعرفته عن تأكيده باللام.
ألا ترى أنه يقبح أن تأتي بالمؤكد وتترك المؤكد فلا تأتي به أو لا ترى أن التأكيد من مواضع الإسهاب والإطناب والحذف من مواضع الاكتفاء والاختصار فهما إذن لما ذكرت من ذلك ضدان لا يجوز أن يشتمل عليهما عقد كلام.
ويزيدك وضوحا امتناع أصحابنا من تأكيد الضمير المحذوف العائد على المبتدأ في نحو: زيد ضربت فيمن أجازه فلا يجيزون: زيد ضربت نفسه على أن تجعل النفس توكيدا للهاء المرادة في ضربته لأن الحذف لا يكون إلا بعد التحقق والعلم وإذا كان ذلك كذلك فقد استغني عن تأكيده.
ويؤكد عندك ما ذكرت لك أن أبا عثمان وغيره من النحويين حملوا قول الشاعر: أم الحليس لعجوز شهربه على أن الشاعر أدخل اللام على الخبر ضرورة. ولو كان ما ذهب إليه أبو إسحاق جائزا لما عدل عنه النحويون ولا حملوا الكلام على الاضطرار إذا وجدوا له وجها ظاهرا قويا.
وحذف المبتدأ وإن كان سائغا في مواضع كثيرة فإنه إذا نقل عن أول الكلام قبح حذفه.
ألا ترى إلى ضعف قراءة من قرأ: تماما على الذي أحسن قالوا: ووجه قبحه انه حذف المبتدأ في موضع الإيضاح والبيان لأن الصلة وقعت في الكلام فغير لائق به الحذف. وإذا طال الكلام جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصر.) ألا ترى إلى ما حكاه الخليل من قولهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئا. ولو قلت: