والذنوب قبل المبعث أم لا؟ والكلام في هذا مبسوط في غير هذا الموضع.
والقول الذي عليه جمهور الناس وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقا. والرد على من يقول إنه يجوز إقرارهم عليها. وحجج القائلين بالعصمة إذا حررت إنما تدل على هذا القول. وحجج النفاة لا تدل على وقوع الذنب أقر عليه الأنبياء فإن القائلين بالعصمة احتجوا بأن التأسي مشروع وذلك لا يجوز إلا من تجويز كون الأفعال ذنوبا. ومعلوم أن التأسي بهم إنما هو مشروع فيما أقروا عليه دون ما نهوا عنه. كما أن الأمر والنهي إنما تجب طاعتهم فيما لم ينسخ منه، فأما ما نسخ من الأمر والنهي فلا يجوز جعله مأمورا به ولا منهيا عنه، فضلا عن وجوب اتباعه والطاعة فيه.
وكذلك ما احتجوا به من أن الذنوب تنافي الكمال أو أنها ممن عظمت عليه النعمة أقبح أو أنها توجب التنفير أو نحو ذلك من الحجج العقلية فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك وعدم الرجوع. وإلا فالتوبة النصوح التي يقبلها الله يرفع بها صاحبها إلى أعظم مما كان عليه. كما قال بعض السلف كان داود عليه السلام بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة..
وقال: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه.. (1).
وشن ابن تيمية كعادته هجوما شديدا على المتأولين الذين يؤولون النصوص المتعلقة بالعصمة فيقول: والرادون لذلك - يقصد رأيه وما ينسب للسلف - تأولوا ذلك بمثل تأويلات الجهمية والقدرية والدهرية لنصوص الأسماء والصفات ونصوص القدر ونصوص المعاد. وهي من جنس تأويلات القرامطة والباطنية التي يعلم بالاضطرار أنها باطلة وأنها من باب تحريف الكلم عن مواضعه.. (2).