تاريخ السنة النبوية ، ثلاثون عاما بعد النبي (ص) - صائب عبد الحميد - الصفحة ٣١
منهم الأقرع بن حابس، فكلم أبو بكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يستعمله على قومه، فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله! فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنزلت الآيات (1).
قال ابن أبي مليكة: كاد الخيران أن يهلكا، أبو بكر وعمر! رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. القصة (2).
وهذا الذي يخشى أن تكون عاقبته حبط الأعمال، إنما هو التقديم بالرأي بغير إذن منه، ورفع الصوت فوق صوته، فكيف مع رد أمره وتعطيل شئ من سننه؟!
أيحق مع كل هذا أن يقال إنهما أرادا المصلحة والنصيحة لله ولرسوله؟!
هذا قول مختلف عن قول الله عز وجل: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) و (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي).. (أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون).
فكما لا يصح هذا الاعتذار لما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأيام صحته ونشاطه، فلا يصح شئ منه أيضا مع ما وقع أيام مرضه وبعد وفاته!
وبعد وفاته، وفي ربع قرن، ظهر شئ كثير من هذا النوع من الاجتهاد، اجتهاد مع وجود النص، ومن أشهره:

(١) انظر: تفسير الطبري ١٣ / ١١٩، سنن الترمذي ٥ ح ٣٢٦٦، سنن النسائي / كتاب القضاة - باب ٨ ح ٥٩٣٦، أسباب النزول - للواحدي -: ٢١٥ لباب النقول - للسيوطي -: ١٩٤، الدر المنثور ٧ / ٥٤٦ و ٥٤٧.
(٢) صحيح البخاري / كتاب التفسير - تفسير سورة الحجرات - باب ٣٢٩ ح ٤٥٦٤.
صلة ١ - المنع من رواية الحديث:
وقد حث عليها النبي كثيرا، وأوصى بها، وأمر بها:
نضر الله امرءا سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه (١).
الناس لكم تبع، وسيأتيكم أقوام من أقطار الأرض يتفقهون، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا، وعلموهم مما علمكم الله (٢).
يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه!! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله (٣).
٢ - المنع من تدوين الحديث:
وقد أباحه النبي لأصحابه:
حين كان عبد الله بن عمرو بن العاص يكتب حديث النبي، فقالت له قريش: أتكتب عن رسول الله كل ما تسمع؟! وإنما هو بشر! يغضب (١) سنن ابن ماجة ١ ح ٢٣٠ - ٢٣٦، سنن الترمذي ٥ ح ٢٦٥٧ و ٢٦٥٨، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ح ١٧٢١، وقد أحصى له بسيوني زغلول في موسوعة أطراف الحديث ٤٧ طريقا.
(٢) انظر: كنز العمال ١٠ ح ٢٩٥٣٣ - ٢٩٥٣٥.
(٣) سنن ابن ماجة ١ ح 12 و 13 و 21، وقد تقدم مع مزيد من التوثيق ص 138.
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»