من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * (1).
فالذي حكاه تعالى عن عيسى عليه السلام ملخص دعوته، وقد أعلن أصل دعوته بقوله " أني رسول الله إليكم " فأشار إلى أنه لا شأن له إنه حامل رسالة من الله إليهم، ثم بين متن ما أرسل إليهم لأجل تبليغه في رسالته بقوله " مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول " الخ.
فقوله " مصدقا لما بين يدي من التوراة " بيان أن دعوته لا تغاير دين التوراة. ولا تناقض شريعتها بل تصدقها ولم تنسخ من أحكامها إلا يسيرا، والنسخ بيان انتهاء أمد الحكم وليس بإبطال. ولذا جمع عليه السلام بين تصديق التوراة ونسخ بعض أحكامها فيما حكاه الله تعالى من قوله * (مصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) * (2)، ولم يبين لهم إلا بعض ما يختلفون فيه، كما في قوله * (قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون) * (3).
وبالجملة: فالمسيح يحمل رسالة من الله إلى بني إسرائيل، وهذه الرسالة لا تناقض التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام، بل هو مصدقا لما علمه الله من التوراة النازلة على موسى، وأنه عليه السلام جاء لنسخ بعض الأحكام المحرمة المكتوبة عليهم، كما في قوله تعالى: * (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) * (4). وما حرم عليهم أشار إليه قوله تعالى: * (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) * (5).