المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ٥٣
التكفير المطلق لا يستلزم تكفير الشخص المعين (إن المجتهد في مثل هذا - يعني: إنكار علو الله - من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق؛ فإن الله يغفر له خطأه وإن حصل منه نوع تقصير، فهو ذنب لا يجب أن يبلغ الكفر، وإن كان يطلق القول بأن هذا الكلام كفر كما أطلق السلف الكفر على من قال ببعض مقالات الجهمية، مثل القول بخلق القرآن أو إنكار الرؤية أو نحو ذلك مما هو دون إنكار علو الله على الخلق، وأنه فوق العرش؛ فإن تكفير صاحب هذه المقالة كان عندهم من أظهر الأمور، فإن التكفير المطلق مثل الوعيد المطلق، لا يستلزم تكفير الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة التي تكفر تاركها.
كما ثبت في الصحاح عن النبي (ص) في الرجل الذي قال: «إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم؛ فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك. فغفر له» (1).
فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل من هذين الاعتقادين كفر يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته.
فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح لم يكن أسوأ حالا من هذا الرجل؛ فيغفر الله
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»