وكذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده؛ فإنه لا شيء عليه، وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس؛ من السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، إنما يتعلق الأمر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره؛ فلا أمر فيه ولا نهي.
وهذا مما وجه به الحديث الذي في «السنن» عن ابن عمر: أنه كان مع النبي (ص) وسلم فسمع صوت زمارة راع، فعدل عن الطريق، وقال: هل تسمع؟ هل تسمع؟ حتى أنقطع الصوت (1).
فإن من الناس من يقول بتقدير صحة هذا الحديث: لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه؛ فيجاب بأنه كان صغيرا، أو يجاب بأنه لم يكن يستمع، وإنما كان يسمع، وهذا لا إثم فيه، وإنما النبي (ص) فعل ذلك طلبا للأفضل والأكمل، كمن اجتاز بطريق فسمع قوما يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كيلا يسمعه؛ فهذا حسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد) (2) * * *