المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ١٩٨
مستحب، ثم إن كانت مفسدته دون تلك المصلحة لم يكن محظورا؛ كأكل الميتة للمضطر ونحو ذلك من الأمور المحظورة التي تبيحها الحاجات؛ كلبس الحرير في البرد، ونحو ذلك، وهذا باب عظيم.
فإن كثيرا من الناس يستشعر سوء الفعل ولا ينظر إلى الحاجة المعارضة له التي يحصل بها من ثواب الحسنة ما يربى على ذلك؛ بحيث يصير المحظور مندرجا في المحبوب أو يصير مباحا إذا لم يعارضه إلا مجرد الحاجة، كما أن من الأمور المباحة؛ بل والمأمور بها إيجابا أو استحبابا: ما يعارضها مفسدة راجحة تجعلها محرمة أو مرجوحة؛ كالصيام للمريض، وكالطهارة بالماء لمن يخاف عليه الموت، كما قال (ص): «قتلوه قتلهم الله! هلا سألوا إذا لم يعلموا؟ ‍‍‍ فإنما شفاء العي السؤال» (1).
وعلى هذا الأصل يبنى جواز العدول أحيانا عن بعض سنة الخلفاء، كما يجوز ترك بعض واجبات الشريعة وارتكاب بعض محظوراتها للضرورة، وذلك فيما إذا وقع العجز عن بعض سنتهم، أو وقعت الضرورة إلى بعض ما نهوا عنه؛ بأن تكون الواجبات المقصودة بالإمارة لا تقوم إلا بما مضرته أقل.
وهكذا «مسألة الترك» كما قلناه أولا وبينا أنه لا يخالفه إلا أهل البدع ونحوهم من أهل الجهل والظلم.
«والصورة الثانية»: إذا كان يمكن فعل الحسنات بلا سيئة، لكن بمشقة لا تطيعه نفسه عليها أو بكراهة من طبعه بحيث لا تطيعه نفسه إلى فعل تلك
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»