وشيطانه أنه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعائب إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة، وتدارك على أئمتهم سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزه - سبحانه - عن كل نقص، والمستحق لكل كمال أنفس، فنسب إليه الكبائر والعظام، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين، حتى قام عليه علماء عصره، والزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحبسه إلى أن مات وخمدت تلك البدع، وزالت تلك الضلالات، ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأسا، ولم يظهر لهم جاها ولا بأسا، بل ضربت عليهم الذلة والمسكنة باؤوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، انتهى.
هذا بعض كلام ابن حجر العالم الذي ليس له في علماء السنة مدافع، ولا ينازع في جلالة شأنه وعظيم فضله منازع، ولسنا الآن في صدد تعداد مثالب ابن تيمية وبدعه في الدين، وما أدخله من البلية على الإسلام والمسلمين، فإن ذلك خارج عما نحن بشأنه من مواقف الحجة والبرهان، والنظر في الأدلة على نهج علمي لا يخرج عن دائرة آداب المناظرة.
وأما حال ابن تيمية... فقد كفانا مؤونة إشاعة فضائعه ووقائعه علماء الجمهور من أهل السنة والجماعة شكرت مساعيهم الجميلة.
أما كلمتنا التي لا بد لنا من إبدائها في الجمع بين تلك الأخبار، ونظريتنا في استجلاء الحقيقة من خلال تلك الحجب والأستار، فسوف نبديها في تلو هذا السجل ناصعة بيضاء مستقرة، وعليه التكلان، وبه المستعان.
ها نحن أولاء، وبعد أن سردنا عليك ذروا من الأحاديث، وشذورا من الروايات، نريد أن نأتي على الخلاصة، ونوقفك على الفذلكة، ونمنحك الحقيقة المكنونة، والجوهر الثمينة فنتوصل إلى الحقيقة من أقرب طرقها، ونتوسل إلى البغية المنشودة بأقوى أسبابها، وأوثق عراها، وامتن أواخيها، فنقول: