في رواتها كذاب ولا وضاع، ولكنه: يعني ابن تيمية لما ابتدع له مذهبا، وهو عدم تعظيم القبور ما كانت، وأنها إنما تزار للاعتبار والترحم، بشرط أن لا يشد إليها رحل صار كل ما خالف ما ابتدعه بفاسد عقله عنده كالصائل لا يبالي بما يدفعه، فإذا لم يجد له شبهة واهية يدفعه بها بزعمه انتقل إلى دعوى أنه كذب على من نسب إليه مباهتة ومجازفة وقد أنصف من قال فيه: علمه أكبر من عقله ا ه.
وقال الزرقاني أيضا في موضع آخر من شرح المواهب عند قول القسطلاني فيها:
وقد روى أن مالكا لما سأله أبو جعفر المنصور العباسي: يا أبا عبد الله أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو أم أستقبل القبلة وأدعو؟ فقال له مالك ولم تصرف وجهك عنه؟
وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى عز وجل يوم القيامة.
قال الإمام القسطلاني: لكن رأيت منسوبا للشيخ تقي الدين بن تيمية في منسكه إن هذه الحكاية كذب على مالك، وأن الوقوف عند القبر بدعة، ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده ويدعو لنفسه، ولكن كانوا يستقبلون القبلة ويدعون في مسجده صلى الله عليه وسلم. قال: يعني ابن تيمية: ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك، انتهت عبارة متن المواهب.
قال الزرقاني في شرحه عند قول ابن تيمية: إن هذه الحكاية كذب على مالك: هذا تهور عجيب، فإن الحكاية رواها أبو الحسن علي بن فهر في كتابه [فضائل مالك] بإسناد لا بأس به وأخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريقه عن شيوخ عدة من ثقات مشايخه فمن أين أنها كذب؟ وليس في إسنادها وضاع ولا كذاب. وقال عند قول ابن تيمية:
إن الوقوف عند القبر بدعة، ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده ويدعو لنفسه: نفيه مردود عليه من قصوره أو مكابرته.
ففي الشفاء قال بعضهم: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف وقال عند قول ابن تيمية: ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك: كذا قال، وهو خطأ قبيح، فإن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر مستقبلا له مستدبرا القبلة، وممن نص على ذلك أبو الحسن القابسي وأبو بكر بن عبد الرحمن والعلامة خليل في منسكه ونقله في الشفاء عن ابن وهب عن مالك قال: إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا يقف وجهة إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم، ولا يمس القبر بيده ا ه.