فهذا الاعتقاد هو التوحيد المحض، بخلاف من اعتقد غير هذا فإنه يقع في الإشراك، وأما الفرق بين الحي والميت مع اعتقاد أن الحي يخلق أفعال نفسه فهو اعتقاد المعتزلة، فلو كان هؤلاء الذين يريدون المحافظة على التوحيد بزعمهم، وأن مرادهم منع الألفاظ الموهمة وسد الذريعة يقتصرون على منع العامة عن الألفاظ الموهمة تأثير غير الله تعالى تأدبا، ومع هذا فإذا صدرت منهم تحمل على المجاز العقلي، ويجيزون لهم التوسل مع المحافظة على الأدب لكان لكلامهم وجه. وأما المنع منه بالكلية فهو مصادم للأحاديث الصحيحة ولفعل السلف والخلف. فعليك باتباع الجمهور والسواد الأعظم. قال الله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليكم بالسواد الأعظم فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية " وقال صلى الله عليه وسلم " من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ". وقد ذكر العلامة ابن الجوزي في كتابه المسمى: [تلبيس إبليس] أحاديث كثيرة في التحذير من مفارقة السواد الأعظم: منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب في الجابية فقال " من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد " وفي حديث عرفجة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يد الله على الجماعة والشيطان مع من يخالف الجماعة " وحديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يد الله على الجماعة، فإذا شذ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الذئب الشاة من الغنم "، وحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة الشاذة القاصية والنائية فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة العامة والمجسد، وحديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من الثلاثة " فعليكم بالجماعة فإن الله تعالى لن يجمع أمتي إلا على هدى، فهؤلاء المنكرون للتوسل والزيارة فارقوا الجماعة والسواد الأعظم وعمدوا إلى آيات كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين، فحملوها على المؤمنين الذين تقع منهم الزيارة والتوسل، وتوصلوا بذلك إلى تكفير أكثر الأمة من العلماء والصلحاء والعباد والزهاد وعوام الخلق، وقالوا: إنهم مثل أولئك المشركين الذين قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وقد علمت أن المشركين اعتقدوا ألوهية غير الله تعالى واستحقاقه العبادة. وأما المؤمنون فما
(١٧١)