فهذا شئ مما ذكره بعض أهل العلم في أخبار الردة وتفاصيلها يطول ولكن قد تقدم أن مثلكم أو من هو أجل منكم لا يجوز له الاستنباط ولا القياس ولا يجوز لأحد أن يقلده بل يجب على من لم يبلغ رتبة المجتهدين أن يقلدهم وذلك الإجماع ولكن ليكن عندكم معلوما أن من خرج عن طاعة أبي بكر الصديق في زمانه فقد خرج عن الإجماع القطعي لأنه ومن معه هم أهل العلم وأهل الإسلام وهم المهاجرون والأنصار الذين أثنى الله عليهم في كتابه وإمامة أبي بكر إمامة حق جميع شروط الأمة مجتمعة فيه فإن كان اليوم فيكم مثل أبي بكر والمهاجرين والأنصار والأمة مجتمعة على إمامة واحد منكم فقيسوا أنفسكم بهم وإلا فبالله عليكم استحيوا من الله ومن خلقه واعرفوا قدر أنفسكم فرحم الله من عرف قدر نفسه وأنزلها منزلتها وكف شره عن المسلمين واتبع سبيل المؤمنين قال الله تعالى ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (فصل) لما تقدم الكلام على الخوارج وذكر مذهب الصحابة وأهل السنة فيهم وأنهم لم يكفروهم كفرا يخرج من الإسلام مع ما فيهم بأنهم كلاب أهل النار وأنهم يمرقون من الإسلام ومع هذا كله لم يكفرهم الصحابة لأنهم منتسبون إلى الإسلام الظاهر وإن كانوا مخلين بكثير منه لنوع تأويل وأنتم اليوم تكفرون من ليس فيه خصلة واحدة مما في أولئك بل الذين تكفرونهم اليوم وتستحلون دماءهم وأموالهم عقايدهم عقايد أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية جعلنا الله منهم (ثم خرجت) بدعة القدرية وذلك في آخر زمن الصحابة وذلك أن القدرية فرقتان فرقة أنكرت القدر رأسا وقالوا إن الله لم يقدر المعاصي على أهلها ولا هو يقدر ذلك ولا يهدي الضال ولا هو يقدر على ذلك والمسلم عندهم هو الذي جعل نفسه مسلما وهو الذي جعل نفسه مصليا وكذلك سائر الطاعات والمعاصي بل العبد هو الذي خلقها بنفسه وجعلوا العبد خالقا مع الله والله سبحانه عندهم لا يقدر يهدي أحدا ولا يقدر يضل أحدا إلى غير ذلك من أقوالهم الكفرية تعالى الله عما يقول أشباه المجوس علوا كبيرا (الفرقة) الثانية من القدرية من قابل هؤلاء وزعم أن الله جبر الخلق على ما عملوا وأن الكفر والمعاصي في الخلق كالبياض والسواد في خلق الآدمي ما للمخلوق في ذلك صنع بل جميع المعاصي عندهم تضاف لله وإمامهم في ذلك إبليس حيث قال فبما أغويتني وكذلك المشركون الذين قالوا لو شاء الله
(١٥)