نفسه بالجهل ويقول ألا اشهدوا أني جاهل بدليل هذا القول من السنة والقرآن * عكس من قبل أقوالهم ومقلديهم وأقام لهم الدليل والبرهان * وصاحب هذا المشهد الثاني لا يرد قولا من أقوال علماء الشريعة إلا ما خاف نصا أو إجماعا ولعله لا يجده في كلام أحد منهم في سائر الأزمان * وغايته أنه لم يطلع على دليل لا أنه يجده مخالفا لصريح السنة أو القرآن * ومن نازعنا في ذلك فليأت لنا بقول من أقوالهم خارج عنها ونحن نرد على صاحبه كما نرد على من خالف قواعد الشريعة بأوضح دليل وبرهان * ثم إن وقع ذلك ممن يدعي صحة التقليد للأئمة فليس هو بمقلد لهم في ذلك وإنما هو مقلد لهواه والشيطان * فإن اعتقادنا في جميع الأئمة أن أحدهم لا يقول قولا إلا بعد نظره في الدليل والبرهان * وحيث أطلقنا المقلد في كلامنا فإنما مرادنا به من كان كلامه مندرجا تحت أصل من أصول إمامه وإلا فدعواه التقليد له زور وبهتان * وما ثم قول من أقوال علماء الشريعة خارج عن قواعد الشريعة فيما علمناه وإنما أقوالهم كلها بين قريب وأقرب وبعيد وأبعد بالنظر لمقام كل إنسان * وشعاع نور الشريعة يشملهم كلهم ويعمهم وإن تفاوتوا بالنظر لمقام الإسلام والإيمان والإحسان * أحمده حمد من كرع من عين الشريعة المطهرة حتى شبع وروى منها الجسم والجنان * وعلم أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم جاءت شريعة واسعة جامعة لمقام الإسلام والإيمان والإحسان * وأنها لا حرج ولا ضيق فيها على أحد من المسلمين ومن شهد ذلك فيها فشهوده تنطع وبهتان * فإن الله تعالى قال وما جعل عليكم في الدين من حرج ومن ادعى الحرج في الدين فقد خالف صريح القرآن * واشكره شكر من علم كمال شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فوقف عندما حدث له من الأمر والنهي والترغيب والترهيب ولم يزد فيها شيئا إلا أن شهد له شعاع الدليل والبرهان * فإن الشارع ما سكت عن أشياء إلا رحمة بالأمة لا لذهول ولا نسيان * وأسلم إليه تسليم من رزقه الله تعالى حسن الظن بالأئمة ومقلديهم وأقام لجميع أقوالهم الدليل والبرهان * أما من طريق النظر والاستدلال * وأما من طريق التسليم والإيمان * وأما من طريق الكشف والعيان * ولا بد لكل مسلم من أحد هذه الطرق ليطابق اعتقاده بالجنان قوله باللسان * أن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم في كل حين وأوان * وكل من لم يصل إلى هذا الاعتقاد من طريق الكشف والعيان * وجب عليه اعتقاد ذلك من طريق التسليم والإيمان * وكما لا يجوز لنا الطعن فيما جاءت به الأنبياء مع اختلاف شرائعهم فكذلك لا يجوز لنا الطعن فيما استنبطه الأئمة المجتهدون بطريق الاجتهاد والاستحسان * ويوضح لك ذلك أن تعلم يا أخي أن الشريعة جاءت من حيث الأمر والنهي على مرتبتي تخفيف وتشديد لا على مرتبة واحدة كما سيأتي إيضاحه في الميزان * فإن جميع المكلفين لا يخرجون عن قسمين قوي وضعيف من حيث إيمانه أو جسمه في كل عصر وزمان * فمن قوى منهم خوطب بالتشديد والأخذ بالعزائم ومن ضعف منهم خوطب بالتخفيف والأخذ بالرخص وكل منهما حينئذ على شريعة من ربه وتبيان فلا يؤمر القوي بالنزول إلى الرخصة ولا يكلف الضعيف بالصعود للعزيمة وقد رفع الخلاف في جميع أدلة الشريعة وأقوال علمائها عند كل من عمل بهذه الميزان * وقول بعضهم إن
(٣)