على ظهري مع ضعف جسدي فصرت كلما أوضح لهم الجمع بين حديثين أو قولين في باب يأتوني بحديث أو قول في باب آخر يناقض عندهم مقابله فحصل لي منهم تعب شديد وكأنهم جمعوا لي سائر العلماء الذين يقولون بقولهم في سائر الأدوار من المتقدمين والمتأخرين إلى يوم الدين وقالوا لي جادل هؤلاء كلهم واجعلهم يرون جميع المذاهب المندرسة والمستعملة كلها صحيحة لا ترجيح فيها لمذهب على مذهب لاغترافها كلها من عين الشريعة المطهرة وذلك من أصعب ما يتحمله العارفون بأسرار أحكام الله تعالى ثم إني استخرت الله تعالى وأجبتهم إلى سؤالهم في إيضاح الميزان بهذا المؤلف الذي لا أعتقد أن أحدا سبقني إليه من أئمة الإسلام وسلكت فيه نهاية ما أعلم مسيس الحاجة إليه من البسط والإيضاح لمعانيها ونزلت أحاديث الشريعة التي قيل بتناقضها وما انبنى على ذلك من جميع أقوال المجتهدين ومقلديهم في سائر أبواب الفقه من باب الطهارة إلى آخر أبواب الفقه على مرتبتي الشريعة من تخفيف وتشديد حتى لم يبق عندهم في الشريعة تناقض تناسيا لهم فإنها ميزان لا يكاد الإنسان يرى لها ذائقا من أهل عصره وقدمت على ذلك عدة فصول نافعة هي كالشرح لما أشكل من ألفاظها عليهم أو كالدهليز الذي يتوصل منه إلى صدر الدار وبعضها مشتمل على ذكر أمثلة محسوسة تقرب على العقل كيفية تفريع جميع المذاهب من عين الشريعة الكبرى وكيفية اتصال أقوال آخر أدوار المقلدين بأول أدوارهم الذي هو مأخوذ من حضرة الوحي الإلهي من عرش إلى كرسي إلى قلم إلى لوح إلى حضرة جبرئيل عليه السلام إلى حضرة محمد صلى الله على وسلم إلى الصحابة إلى التابعين إلى تابع التابعين إلى الأئمة المجتهدين ومقلديهم إلى يوم الدين وعلى بيان شجرة وشبكة ودائرة وبحر يعلم الناظر فيها إذا تأمل أن جميع أقوال الأئمة لا يخرج شئ منها عن الشريعة وعلى بيان أن جميع الأئمة المجتهدين يشفعون في أتباعهم ويلاحظونهم في جميع شدائدهم في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة حتى يجاوزوا الصراط وعلى بيان أن كل مذهب سلكه المقلد وعمل به على وجه الاخلاص أوصله إلى باب الجنة وعلى بيان قرب منازل الأئمة على نهر الحياة من منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أعطاه الكشف وعلى بيان ذم الرأي وبيان تبري جميع الأئمة من القول به في دين الله عز وجل لا سيما الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه خلاف ما يظنه بعضهم به وختمت أبواب الفقه بخاتمة نفيسة مشتملة على بيان سبب مشروعية جميع التكاليف وهو أن أحكام الدين الخمسة نزلت من الأملاك السماوية فأكرم بها من ميزان لا أعلم أحد سبقني إلى وضع مثلها وكل من تحقق بذوقها دخل في نعيم الأبد وصار يقرر جميع مذاهب المجتهدين وأقوال مقلديهم ويقوم في تقرير ذلك مقامهم حتى كأنه صاحب ذلك المذهب أو القول العارف بدليله وموضع استنباطه وصار لا يجد شيئا من أقوال الأئمة ومقلديهم إلا وهو مستند إلى آية أو حديث أو أثر أو إجماع أو قياس صحيح على أصل صحيح كما سيأتي إيضاحه في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وأسأل الله تعالى من فضله أن يحمى هذا الكتاب من كل عدو وحاسد يدس فيه ما ليس من كلامي مما يخالف ظاهر الشريعة لينفر الناس عن
(١٠)