اليقين فصرفوا عنه العوادي والخطوب فابتسم ثغر الإسلام وانتظم أمر المسلمين واتضح وعدا من الله وحقا عليه نصر المؤمنين وبعد فقد كنت في إبان الأمر وعنفوان العمر إذ العيش غض والشباب بمائه وغصن الحداثة على نمائه وبدور الآمال طالعة مسفرة ووجوه الأحوال ضاحكة مستبشرة ورباع الفضل معمورة الأكناف والعرصات ورياض العلم ممطورة الأكمام والزهرات أسرح النظر في العلوم طلبا لأزهارها وأنوارها وأشرح الكتب من الفنون كشفا لأستارها عن أسرارها يرد على حذاق الآفاق غوصا على فرائد فوائدها ويتردد إلى أكياس الناس روما لشوارد عوائدها علما منهم بأنا بذلنا قوانا لاكتساب الدقائق وقتلنا نهانا في طلاب الحقائق وحين رأوا علم الكلام الذي هو أساس الشرائع والأحكام ومقياس قواعد عقائد الإسلام أعز ما يرغب فيه ويعرج عليه وأهم ما تناخ مطايا الطلب لديه لكونه أوثق العلوم بنيانا وأصدقها تبيانا وأكرمها نتاجا وأنورها سراجا وأصحها حجة ودليلا وأوضحها محجة وسبيلا حاموا جميعا حول طلابه وراموا طريقا إلى جنابه والتمسوا مصباحا على قبابه ومفتاحا إلى فتح بابه فافترصت لمعة من ظلم الدهر ونبوة من أنياب النوائب وانتهزت فرصة من عين الزمان وخفة من زحام الشوائب وأخذت في تصنيف مختصر موسوم بالمقاصد منظوم فيه غرر الفرائد ودرر الفوائد وشرح له يتضمن بسط موجزه وحل ملغزه وتفصيل مجمله وتبيين معضله مع تحقيق للمقاصد وفق ما يرتاد وتدقيق للمعاقد فوق ما يعتاد وتحرير للمسائل بحسب ما يراد ولا يزاد وتقرير للدلائل بحيث لا يضاد ولا يصاد بألفاظ تنفتح بها الآذان وتنشرح الصدور وتتفطر بالأنهار والأزهار جبال وصخور ومعان تتهلل بها وجوه الأوراق وتتبسم ثغور السطور وتتلألأ خلال الكلام كأنها نور على نور باذلا الجهد في إيراد مباحث قلت عناية المتأخرين بها من المتكلمين وقد بالغ في الاعتناء بها المحققون من المتقدمين لا سيما السمعيات التي هي المطلب الأعلى والمقصد الأقصى في أصول الدين والعروة الوثقى والعمدة القصوى لأهل الحق واليقين وحين حررت بعضا من الكتاب ونبذا من الفصول والأبواب تسارع إليه الطلاب وتداولته أيدي أولي الألباب وأحاط به طلبته كل طالب وناط به رغبته كل راغب وعشا ضوء ناره كل وارد ووجه إليه الهمة كل رائد وطفقوا يمتدحون ويقترحون وزناد الازدياد يقتدحون وأنا أصرف جهدي والمراد ينصرف والمقصود يتقاعس عن الحصول وينحرف والأيام تحول وتحجز وتعد ولا تنجز والدهر يشكى ويبتكى والعقل يضحك ويبكى العجب من تقاصر همم الرجال وفسادها وتراجع سوق الفضائل وكسادها وتضعضع بنيان الحق وتداعي
(٣)