قد مر عليك آنفا أن أبا بكر لم يكن موسرا ذا ثروة، وكيف يدعى له الإنفاق الجليل؟! وقد باع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيرين عند خروجه إلى يثرب وأخذ منه الثمن في مثل تلك الحال الشديدة! (١٢٦)، فمن لم تسمح نفسه بثمن بعيرين، لا يظن به أن ينفق على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وينعم عليه البتة!
أم كيف يجوز أن يدعى لأبي بكر بذل المال؟! وقد أشفق أن يقدم بين يدي نجواه صدقة يسيرة! وترك أهل المحاويج بلا شئ يوم الهجرة، وأخذ ماله معه وكان خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم! كما رواه أحمد عن أسماء بنت أبي بكر (١٢٧)، ورواه الحاكم وصححه على شرط مسلم (١٢٨).
وأين كان عن ابنته أسماء إذ زوجها من الزبير، وكان فقيرا لا يملك غير فرسه؟! فكانت تخدم البيت وتسوس الفرس وتدق النوى لناضحه وتعلفه وتستقي الماء، وكانت تنقل النوى على رأسها من أرض الزبير التي أقطعها إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي على ثلثي فرسخ من منزلها! كما رواه أحمد والبخاري ومسلم (١٢٩).
هذا، مع أن أصل دعوى الإنفاق عليه صلى الله عليه وآله وسلم يكذبها قوله تعالى في سورة الضحى - وهي مكية - ﴿ووجدك عائلا فأغنى﴾ (130).