الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته.
يا هشام، من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين فليتضرع إلى الله عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغنى، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا.
يا هشام، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما عبد الله بشئ أفضل من العقل، وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتى: الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلهم خيرا منه، وأنه شرهم في نفسه، وهو تمام الأمر.
يا هشام، إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.
يا هشام، إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه، ولا يعد ما لا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنف برجائه، ولا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه " (1).
وبالتأمل في هذا الحديث يعلم أن أساس الدين هو العقل والعلم، فالعلم بنواميس الكون، والقوانين الحاكمة على الموجودات، والسنن الجارية على أعظم الكائنات إلى أصغر الذرات، والتعقل فيها يرشد إلى أنه لا يمكن أن تكون المادة والقوة الفاقدتان للعلم والإدراك مبدأ العالم بنظامه الحاكم على كل جزء من أجزائه، وعلى كل هذه الأجزاء، وعلى التفاعل والتأثير والتأثر المتقابل بينهما بميزان وحساب، ولا يمكن أن تكون الحياة منتهية إلى الميت بالذات، بل كل موجود محتاج بافتقار وجوده إلى الغني بالذات، وبتبدله وتغيره بلا اختيار من حال إلى حال، مقهور لمن هو محول الأحوال.