الأكبر الشيخ الطوسي مؤلف " التبيان " (المتوفى 460 ه) إلى أن صار هذا المنهج هو المنهج المتبع الشائع في جميع الأعصار إلى عصرنا هذا، وقلت العناية بالمنهج الروائي المحض إلا في بعض الأعصار (القرنين الحادي عشر والثاني عشر)، كما سيوافيك تفصيله، وبذلك حصل التطور الواضح في تفسير القرآن الكريم، ولعل العناية بالأثر وصيانة تلك الكنوز عن الاندراس حملت المفسرين في تلك الأعصار على تفسير القرآن بنمط واحد ولون فارد، وهو التفسير بالأثر من غير فرق بين السنة والشيعة حتى أن أبا جعفر الطبري (المتوفى 310 ه)، وضع تفسيره على ذلك المنهج، وقلما يتفق أن يستكشف أسرار الآيات ويبسط الكلام فيها.
غير أن احتكاك الثقافات والضرورات الاجتماعية فرضت على المفسرين المنهج العلمي من التفسير حتى يكون ملبيا لحاجاتهم، فإن القرآن بحر لا ينزف. فأدخلوا في التفسير قراءة القرآن، وإعرابه، وغوامضه، ومشكلاته، ومعانيه، وجهاته، ونزوله، وأخباره، وقصصه، وآثاره، وحدوده، وأحكامه، وحلاله وحرامه، والكلام على مطاعن المبطلين، والاستدلال على ما يتفرد به المفسر في المذهب الفقهي أو الاعتقادي، وقد ألف في أواسط القرن الرابع علي بن عيسى الرماني تفسيره المعروف، وهو بمنهجه العلمي تفوق على التفاسير المتقدمة عليه وها نحن نذكر أسماء أعلام المفسرين بالأثر المروي عن النبي والآل، ثم نتبعهم بسرد أسماء مشاهير المفسرين بالتفسير العلمي، فالمنهج الأول يمتد إلى نهاية القرن الرابع، كما أن المنهج الثاني يبتدئ بطلوع القرن الخامس حسبما وصل إلينا من كتبهم، وبما أن أكثر ما ألف في العصور الأولى غير واصلة إلينا، لا يمكن لأحد القضاء البات في الموضوع، وأن جميع ما في تلك القرون تفاسير روائية، وإنما نعتمد في ذلك على الحدس وما ذكره الشيخ في أول التبيان، والله العالم.