مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٣٨١
وقام فضلاء الشيعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الأئمة المعصومين بهذا النمط من التفسير، وقد أخذوا علوم القرآن وتبيين مفاهيمها عن أئمتهم، فأول من دون أقواله في التفسير منهم هو عبد الله بن العباس (المتوفى سنة 68 ه‍)، وأول من كتب تفسيرا تلميذه سعيد بن جبير (المتوفى عام 95 ه‍) (1)، واستمر الأمر إلى عصرنا هذا، بل لم يكتف كثير منهم بتأليف تفسير واحد حتى ضم إليه آخر، بل كثير منهم عززهما بثالث ورابع، وقد استخرج أسماء هؤلاء المعززين شيخ الباحثين " آغا بزرگ الطهراني " في معجمه. (2) والغالب على التفاسير المدونة في القرون الأولى هو تفسير القرآن بالأثر، ومن نماذجه تفسير " فرات بن إبراهيم الكوفي " الراوي عن جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي (المتوفى حوالي 300 ه‍)، والمعلم لأبي غالب الزراري (المولود 285 ه‍)، وتفسير " علي بن إبراهيم القمي " (حيا عام 307 ه‍)، و " تفسير العياشي " محمد بن مسعود أستاذ الشيخ الكليني (المتوفى عام 329 ه‍)، إلى غير ذلك من التفاسير المؤلفة في العصور الأولى، فإن الجل لولا الكل تفاسير روائية، وكأنهم كانوا يجتنبون تفسير القرآن تفسيرا فكريا تحليليا علميا تحرزا من وصمة التفسير بالرأي، وقد كان هذا النمط سائدا إلى أواخر القرن الرابع بين الشيعة، حتى أحس العلماء بالحاجة الشديدة إلى التفسير العلمي والتحليلي، منضما إلى ما روي عن النبي والأئمة عليهم السلام، وأول (3) من فتح هذا الباب الشريف الرضي (المتوفى 406 ه‍) فألف كتاب " حقائق التأويل "، في عشرين جزءا، ثم أخوه الشريف المرتضى (المتوفى 436 ه‍) في أماليه المسمى ب‍ " الغرر والدرر "، ثم تلميذه

(١) فهرست ابن النديم: ٥٧.
(2) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 4 / 233 - 346.
(3) نذكر ذلك على وجه التقريب، لأنه لم يصل إلينا ممن تقدم عليه، تفسير عليه ذاك الطابع.
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»