وكونه من عمال بني أمية ومشيدي سلطانهم، حتى أنكر عليه ذلك العلماء والزهاد، فقد ذكر العلامة عبد الحق الدهلوي بترجمته من رجال المشكاة: إنه قد ابتلي بصحبة الأمراء بقلة الديانة، وكان أقرانه من العلماء والزهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرهم! فيقولون: ألا ترى ما هم فيه وتسكت؟!.
ومن هنا قدح فيه ابن معين فقد حكى الحاكم عن ابن معين أنه قال: أجود الأسانيد: الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري!! فقال: تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري؟! الزهري يرى العرض والإجازة، ويعمل لبني أمية، والأعمش فقير صبور، مجانب للسلطان، ورع عالم بالقرآن (1).
وبهذه المناسبة كتب له الإمام زين العابدين عليه السلام كتابا يعظه فيه ويذكره الله والدار الآخرة وينبهه على الآثار السيئة المترتبة على كونه في قصور السلاطين، من ذلك قوله: إن أدنى ما كتمت وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغي.. جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم.. احذر فقد نبئت، وبادر فقد أجلت.. ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، ويرد إليك ما عزب من دينك.. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟!. فأعرض - عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم.. ما لك لا تنتبه من نعستك وتستقيل من عثرتك فتقول: والله ما قمت لله مقاما واحدا ما أحييت به له دينا، أو أمت له فيه باطلا؟! (2).