لقد بصر ابن حزم بذلك، فحاول أن يتداركه، فقال: وجدنا عقد الإمامة يصح بوجوه: أولها وأصحها وأفضلها أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره إماما بعد موته، سواء جعل ذلك في صحته أو عند موته، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي بكر، وكما فعل أبو بكر بعمر، وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز.
قال: وهذا هو الوجه الذي نختاره، ونكره غيره، لما في هذا الوجه من اتصال الإمامة، وانتظام أمر الإسلام وأهله، ورفع ما يتخوف من الاختلاف والشغب مما يتوقع في غيره من بقاء الأمة فوضى، ومن انتشار الأمر وحدوث الأطماع (1).
لقد لحظ ابن حزم أكثر من ثغرة في تلك النظرية (الشورى)، فأظهر مهارة في محاولة رتقها، بأن جمع بين الضرورات الدينية والعقلية والاجتماعية وبين الأمر الواقع، ليخرج بصيغة أكثر تماسكا.
فترك الأمة دون تعيين ولي الأمر الذي يخلف زعيمها يعني بقاء الأمة فوضى، وتشتت أمرها، وظهور الأطماع في الخلافة لا محالة.. وهذا مما ينبغي أن يدركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيبادر إلى تلافيه، ولو في مرضه الذي توفي فيه.
وتعيين الخليفة بهذه الطريقة سيضمن اتصال الإمامة، وانتظام أمر الإسلام.
وإذا كان أبو بكر قد أدرك ذلك فنص على من يخلفه، وأدركه أيضا