قول رسول الله في السوداء: " اعتقها فإنها مؤمنة (1) ".
يلاحظ عليه: أن الحكم عليه بالإيمان لأجل كون الإقرار باللسان طريقا وذريعة إلى فهم باطنه وتصديق قلبه، وأما لو علم عدم مطابقة اللسان مع الجنان فيحكم عليه بالنفاق، قال سبحانه: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) * (البقرة - 8). ولما كان الرسول وأصحابه مأمورين بالحكم بحسب الظاهر، أمروا بالقتال إلى أن يشهدوا بتوحيده سبحانه كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بما أرسلت به، فإذا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " وبذلك يظهر وجه حكمه (صلى الله عليه وآله وسلم) في السوداء " بأنها مؤمنة (2) " روى ابن حزم عن خالد بن الوليد أنه قال: رب رجل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) " إني لم أبعث لأشق عن قلوب الناس ".
وأما الثاني: أي كون الإيمان هو التصديق القلبي وإن أظهر الكفر بلسانه الذي نسب إلى جهم بن صفوان: فقد استدل بما مر من الآيات عند البحث في تفسير الإيمان لغة، قال سبحانه: * (وما أنت بمؤمن لنا) * (يوسف - 17) وقوله تعالى: * (وآمن له لوط) * (العنكبوت - 26) مضافا بأن القرآن نزل بلسان عربي مبين وخاطبنا الله بلغة العرب وهو في اللغة التصديق والعمل بالجوارح لا يسمى إيمانا.
يلاحظ عليه: أن ما ذكره دليل على خروج العمل عن حقيقة الإيمان، وأما كونه نفس التصديق القلبي فلا يثبته، كيف وقد دلت بعض الآيات على أن من جحد لسانا أو عملا وإن استيقن قلبا فهو ليس بمؤمن، بل هو من الكافرين، يقول سبحانه: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) * (النمل - 14) والآية نازلة في حق الفراعنة الذين أذعنوا في