هذا مع الأعجوبة في حدوثه من غير نكاح، واختراعه من التراب من غير بدو (1) وانتقاله من طين لازب إلى طبيعة الإنسانية، ولا واسطة في صنعته على اتفاق من ذكرناه من أهل الكتب حسب ما بيناه.
والقرآن في ذلك ناطق (2) ببقاء نوح نبي الله عليه السلام في قومه تسعمائة سنة وخمسين سنة للإنذار لهم خاصة، وقبل ذلك ما كان له من العمر الطويل إلى أن بعث نبيا من غير ضعف كان به ولا هرم ولا عجز ولا جهل، مع امتداد بقائه وتطاول عمره في الدنيا وسلامة حواسه.
وأن الشيب أيضا لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل عليه السلام (3) بإجماع من سميناه من أهل العلم من المسلمين خاصة كما ذكرناه.
وهذا ما لا يدفعه إلا الملحدة من المنجمين وشركاؤهم في الزندقة من الدهريين، فأما أهل الملل كلها فعلى اتفاق منهم (4) على ما وصفناه.
والأخبار متناصرة بامتداد أيام المعمرين من العرب والعجم والهند، وأصناف البشر أحوالهم التي كانوا عليها مع ذلك، والمحفوظ من حكمهم مع تطاول أعمارهم، والمأثور من تفصيل قصاتهم (5) من أهل أعصارهم وخطبهم وأشعارهم، لا يختلف أهل النقل في صحة الأخبار عنهم بما ذكرناه