يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا * فما بذاك الحمى والدار ديار تاج الخلافة والربع الذي شرفت * به المعالم قد عفاه إقفار ناديت والسبي مهتوك يجرهم * إلى السفاح من الأعداء دعار وهكذا ذبحت عاصمة الدنيا ودمر تراثها الفكري، وذهب ما سطره الأقدمون وألفوه من كتب وأخبار وأقاصيص، كانت تشيع منها آثار القوة والعظمة والطموح والإنسانية والحضارة الفكرية، وتملأ الحياة جمالا وجلالا ونورا... ومما دمرتها هذه النكبة لا شك رسائل ومؤلفات أبي عبيدة محمد بن عمران المرزباني الخراساني المتوفى سنة (384).
(2) كان أبو عبيدة أو عبد الله محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بن عبيد الله الكاتب المرزباني الخراساني الأصل البغدادي المولد، ذو رغبة ملحة كما يحدثنا التاريخ في جمع أخبار الشعراء وتدوين أخبارهم وآثارهم وأقاصيصهم وما يتعلق بحياتهم من جوانبها المتعددة من نوادر وفكاهات من دون أي تصرف أو تحوير... وهو أشهر من أن يشار إليه وأجل من أن تكتب عنه عجالة، وأحرى أن تؤلف فيه رسالة مسهبة فياضة تنم عن علمه وتحدث عن فضله وتكشف الكثير من جوانب حياته الاجتماعية والأدبية.
لقد تاقت نفس المرزباني المتوثبة ورغبته الصادقة في العلم والأدب والمعرفة فعكف على تحقيق هذه الناحية والعمل في حقلها بنفس مشوقة وحس جميع، وآفاق علمه الواسعة وفجاج فضله الرحيبة، حتى اعتبره التاريخ في الجبهة الأولى بين علماء القرن الرابع ومؤرخيه وفي الصف الأول بين نابغيه وممن نبه العصر بنباهته وسما بسمو مكانته.
إنه في التاريخ الأدب العربي الطويل من الذين وقفوا أنفسهم على خدمته وضحوا بحياتهم وراحتهم وجهودهم في سبيله، يجمعون تراثه المبعثر ونصوصه الموزعة وقضاياه وأحداثه الممزقة البالية، ويجتهدون في الحفاظ