ثم إن الظاهر منها أن المفروغية المذكورة، نظرا إلى منافاة الاستيمان مع التضمين، ليست من جهة وضوح الحكم بحسب الشرع، وإلا لكان في تلك الأخبار بكثرتها سؤالا عنه بل من جهة وضوحه عند العقلاء، على نحو ما عرفت فتكون نفس تلك الأخبار قرينة على ما تقدم من دعوى الانصراف في حديث إلى غير الأمين، ومما قررناه في تضاعيف ذكر الأخبار وما بعده ظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ الأكبر، من التمسك بعموم أدلة الاستيمان لقاعدة " ما لا يضمن " في غير التمليك بلا عوض وبفحواه فيه، فتأمل، ثم إن المستخرج منها إما بالمطابقة أو الالتزام، ليس إلا الأمين الذي قد عرفت أنه أخص من عنوان المأذون.
ولو فرضنا التمسك في الخارج، وأنه خصوص الأمين أو الأعم منه ومن المأذون فإن اعتمدنا في الخروج على الأدلة اللفظية، وقلنا بأن عنوان الأمين مجمل فالمرجع هو إطلاق دليل " اليد " لدوران التقييد المنفصل بين الأقل والأكثر فيقتصر على الأقل، وإن اعتمدنا على الدليل اللبي، أعني: حكم العقل من جهة الاستيناس بالحكم، فالأقوى سريان الإجمال إلى الإطلاق ووجوب الرجوع إلى الأصول العملية.
ودعوى أن القضايا العقلية كما علم في محله معلومة الموضوع، فكيف يفرض فيها الإجمال الساري، مع أنه لو فرض الإجمال فيها فهي في حكم التقييد المنفصل لاستقلاله في الحكم فلا وجه للحكم بالسريان، مدفوعة بأن المقصود من الحكم العقلي في المقام ما عرفت مرارا هو إدراكه الظني لمناط الحكم الموجب لانصراف المطلق، وهذا قابل لأن يدخل فيه الشك والتردد في الموضوع، كما لا يخفى.
وأما حديث الانفصال، فهو حق في العقل المستقل، وأما في مثل المقام