شرح شافية ابن الحاجب - رضي الدين الأستراباذي - ج ٤ - الصفحة ١٦٥
وسبب هجوه أن الراعي كان شاعر مضر وذا سنها، ولما قدم البصرة دخل بين جرير والفرزدق، فقال: [من الكامل] يا صاحبي دنا الأصيل فسيرا * غلب الفرزدق في الهجاء جريرا فلقيه جرير، فقال له: إني وابن عمى الفرزدق نستب صباحا ومساء، وما عليك من غلبة الغالب والمغلوب، فإما أن تكف عنا، وإما أن تغلبني، فقال له الراعي:
صدقت، لا أبعدك [الله] من خير، فبينما هما في القول إذ رآهما جندل بن الراعي فأقبل على فرس له فضرب بغلة أبيه وقال له: مالك يراك الناس واقفا على كلب بنى كليب، فصرفه عنه، فقال جرير: أما والله لاثقلن رواحلك، ثم أقبل إلى منزله وقال لروايته: زد في دهن سراجك الليلة وأعدد لوحا ودواة، ثم أقبل على هجاء بنى نمير، فلم يزل يمل حتى ورد عليه قوله:
* فغض الطرف إنك من نمير.... البيت * فقال: حسبك أطفئ سراجك ونم، فرغت منه ثم إن جريرا أتم القصيدة بعد وسماها الدامغة حتى إذا أصبح ورأى الراعي في سوق الإبل أنشده إياها حتى وصل إلى قوله أجندل، ما تقول بنو نمير * إذا ما الأير في است أبيك غابا؟
فقال الراعي: شرا والله تقول، إلى أن قال:
إذا غضبت عليك بنو تميم * رأيت الناس كلهم غضابا فغض الطرف إنك من نمير *...... البيت قال ابن رشيق في العمدة: " وممن وضعه ما قيل فيه من الشعر حتى أنكر نسبه وسقط على رتبته وعيب بفضيلته: بنو نمير، كانوا جمرة (1) من جمرات العرب إذا سئل أحدهم: ممن الرجل؟ فخم لفظه ومد صوته وقال: من بنى نمير، إلى أن صنع جرير قصيدته التي هجا بها الراعي فسهر لها فطالت ليلته إلى أن قال:

(1) الجمرة: القبيلة التي لا تحالف غيرها اعتدادا بنفسها
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»