دأبه في شبابه إلى أن كبر وماتت والدته، وله في ذلك حكاية لا يناسب ذكرها المقام وكان لا يدخل عليه في شهر رمضان بعد العصر أحد كائنا من كان فيخرج من داره إلا بعد الافطار عنده، وكانت داره لا تخلو في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من الف نفس مفطرة فيها وكانت صلاته وصدقاته وقرباته في هذا الشهر تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة وكانت أيامه رحمه الله للعلوية والعلماء والأدباء والشعراء وحضرته محط رحالهم وموسم فضلائهم أمواله مصروفة إليهم وصنائعه مقصورة عليهم، ولما كان ببغداد قصد القاضي أبا السائب عتبة ابن عبيد الله لقضاء حقه فتثاقل في القيام له وتحفز تحفزا أراه به ضعف حركته وقصور نهضته فأخذ الصاحب بضبعه وأقامه وقال: نعين القاضي على قضاء حقوق أصحابه فخجل القاضي واعتذر إليه. وأظن اني رأيت في كتبا معاهد التنصيص للفاضل الأديب عبد الرحيم العباسي المعاصر للشهيد الثاني: ان الصاحب استدعى في بعض الأيام شرابا فأحضروا قدحا فلما أراد ان يشرب قال له بعض خواصه لا تشربه فإنه مسموم وكان الغلام الذي ناوله واقفا فقال للمحذر ما الشاهد على على صحة قولك؟ قال تجربه في الذي ناولك إياه قال لا أستجيز ذلك ولا استحله قال فجربه في دجاجة قال التمثيل بالحيوان لا يجوز ورد القدح وامر بقلبه وقال للغلام انصرف عني ولا تدخل داري وامر باقرار جاريه وجرايته عليه وقال لا يدفع اليقين بالشك والعقوبة بقطع الرزق نذالة إنتهى. توفى في 24 صفر سنة 385 (شفه) بالري ثم نقل إلى أصبهان ودفن بمحلة تعرف بدرية.
قال ابن خلكان: ورأيت في اخباره انه لم يسعد أحد بعد وفاته كما كان في حياته غير الصاحب فإنه لما توفي أغلقت له مدينة الري واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته وحضر مخدومه فخر الدولة أولا وسائر القواد وقد غيروا لباسهم فلما خرج نعشه من الباب صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة وقبلوا الأرض، ومشى فخر الدولة أمام الجنازة مع الناس وقعد للعزاء أياما،