السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٢ - الصفحة ٥٥٨
للدواء فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء وإراقة الخمر حينئذ إذ مع أنها كانت مباحة فهي محترمة تغليظ وتوكيد للتحريم وفطم للنفوس لأن إراقتها لم تكن بأمر منه صلى الله عليه وسلم وسئل الحافظ السيوطي رحمه الله عن حكمة رجوعه صلى الله عليه وسلم القهقرى فأجاب بأنه لعله ككان من خوف الوثوب عليه ارشادا لمن يخاف الوثوب أو كان مقصود صلى الله عليه وسلم مداومته لحظة أو أن الروي أراد بالقهقرى مطلق الروع إلى المنزل لا بالظهر وأنس رضي الله تعالى عنه لم يكن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ أي في السنة الرابعة بل بعدها وحينئذ يكون القول بأن كونه في الثالثة أشكل واشكل من هذا ما حكاه ابن هشام في قصة الأعشى بن قيس أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام فلما كان بمكة اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاءيريد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم فقال له يا أبا بصير إنه يحرم الزنا فقال الأعشى والله إن ذلك لأمرمالي فيه من أرب فقال إنه يحرم الخمرفقال الأعشى اما هذه إن في النفس منها لغلالات ولكني منصرف فأتروي منها عامي هذا ثم آته فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا كلامه لما علمت أن الخمر لم تحرم بمكة وإنما حرمت بالمدينة في السنة الثالثة أو الرابعة وأجاب بعضهم أن الأعشى أراد المدينة فاجتاز بمكة فرض له بعض كفار قريش واعترض بأنه قيل إن القائل له ذلك أبو جهل لعنه الله وكان في دار عتبة بن ربيعة وأبو جهل قتل ببدر في السنة الثانية وأجيب بأنه على تسليم صحة ذلك بأنه يجوز أن يكون أبو جهل لعنه الله قصد صد الأعشى عن الإسلام بطريق التقول والافتراء لأنه كان يعرف ميل الأعشى إلى الخمر وعدم صبره على تركها فاختلق هذا القول من عنده ليمنعه بذلك عن الإسلام أقول لما حرمت الخمر قال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم أي لان جماعة شربوها صبح يوم أحد قتلوا من يومهم شهداء فأنزل الله تعالى * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * وكون أنس رضي الله تعالى عنه لم يكن خادما للنبي صلى
(٥٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 553 554 555 556 557 558 559 560 561 562 563 ... » »»