السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٤٩٨
رق لفظا وراق معنى فجاءت * في حلاها وحليها الخنساء * وأرتنا فيه غوامض فضل * رقة من زلاله وصفاء * إنما تجتلي الوجوه إذا ما * جليت عن مرآتها الأصداء * سور منه أشبهت صورا منا * ومثل النظائر النظراء * والأقاويل عندهم كالتماثيل * فلا يوهمنك الخطباء * كم أبانت آياته عن علوم * من حروف أبان عنها الهجاء * فهي كالحب والنوى أعجب الزرا * ع منها سنابل وزكاء * فأطالوا فيه التردد والريب فقالوا سحر وقالوا افتراء * وإذا البينات لم تغن شيئا * فالتماس الهدى بهن عناء * وإذا ضلت العقول على علم * فماذا تقوله الفصحاء * أي أو لم يكفهم عما سألوه عنادا ذكر واصل إليهم حالة كونه من الله تعالى رحمة وشفاء للناس والجن والملائكة أعجز الإنس والجن آية منه فهلا يأتي بتلك الآية أهل البلاغة كل وقت يهدى قراؤه إلى سامعيه معجزات من لفظه ولذلك تتحلى بسماعه المسامع من التحلية التي هي لبس الحلي وتتحلى بألفاظه الأفواه من الحلواء فهو الحلى والحلواء حسن من جهة اللفظ وتصفى من شوائب النقص من جهة المعنى فأرتنارقة من زلاله وصفاء من ذلك الزلال خبايا فضل فيه وهي العلوم المستنبطة منه وإنما تظهر الوجوه ظهورا واضحا لا خفاء معه بوجه إذا قوبلت بمرآة وقت جلاء الأصداء عن تلك المرآة سور منه أشبهت صورا منا من حيث اشتمال كل صورة منا على عقل وفهم وخلق لا يشاركه فيه غيره والأقاويل الصادرة من الكفار في القرآن كالصور التي يصورها المصورون فإنه لا وجود لها في الحقيقة فما قالوه في القرآن باطل قطعي البطلان فاحذر الخطباء أن توقع في وهمك أن ما تأتي به يقارب القرآن كم أوضحت آياته علوما حالة كونها متولدة من حروف قليلة كشف عنها التهجي كالحب الذي يلقيه الزارع والنوى الذي يلقيه الغارس أعجب الزراع والغراس منها أي من تلك الحبوب والنوى سنابل وثمار وتمر فاق الحصر فأطالوا في تلك السور الشك فقالوا سحر وتمويه لا حقيقة له وقالوا مرة أخرى أساطير الأولين وإذا كانت الحجج والبراهين لم تفدهم شيئا من الهدى فطلب الهدى منهم بتلك الحجج تعب لا يفيد شيئا وإذا ضلت العقول
(٤٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 493 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 ... » »»