منه التفاتة نحو السماء، فنظر إلى رجال لا يشبهون رجال الدنيا ينزلون من السماء قد حملوا على أولئك الأحبار فقطعوهم وهزموهم حتى كشفوهم عن عبد الله، فلما نظر وهب إلى ذلك رجع مبادرا إلى أهله فخبرها بالخبر وقال: انطلقي إلى عبد المطلب فاعرضي عليه ابنتك لعله أن تزوجه إياها قبل أن يسبقنا إليه أحد من الناس فتكون الحسرة الكبرى والمصيبة العظمى.
قال: فجاءت برة أم آمنة إلى عبد المطلب فعرضت ابنتها عليه.
فقال عبد المطلب: لقد عرضت علي امرأة لا يصلح لابني من النساء غيرها.
فزوجه إياها وابتنى بها.
فلما ابتنى عبد الله بآمنة مرضن نساء قريش، وماتت مائتا امرأة من قريش بغيرتها أسفا وجزعا، إذ لم يتزوج بهن عبد الله بن عبد المطلب. فأعطى الله عز وجل آمنة من النور والعفاف والبهاء والجمال والكمال ما أنها كانت تدعى سيدة قومها.
قال: وبقي عبد الله على ذلك عدة سنين ونور رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يخرج منه إلى بطن آمنة حتى أذن الله عز وجل في ذلك.
* * * فصل في ذكر تنقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لدن فطامه إلى وقت مبعثه قيل: إنه لما شب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وترعرع وسعى ردته حليمة السعدية إلى أمه آمنة بنت وهب فافتصلته وقدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة، ثم رجعت به حتى إذا كانت بالأبواء هلكت بها، فيتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان عمره يومئذ ست سنين، فروي أن أم أيمن رجعت به إلى مكة وكانت تحضنه، وورث رسول الله (عليه السلام) من أمه أم أيمن وخمسة أجمال أوداك (1) وقطعة غنم، فلما تزوج