فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم) (1) فالاستجابة تؤذن ببراءته من كل سوء، وتنبئ أنه لو فعل ما ذكروه لكان قد يصرف عنه كيدهن. وقوله تعالى: (قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء) (2) والعزم على المعصية من أكبر السوء، وقوله تعالى حاكيا عن الملك: (ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين) (3) ولا يقال ذلك فيمن فعل ما أدعوه عليه. فإن قيل: فأي معنى لقول يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربى غفور رحيم) (4).
قلنا: إنما أراد الدعاء والمنازعة والشهوة ولم يرد العزم على المعصية، وهو لا يبرئ نفسه مما لا تعرى منه طباع البشر. وفي ذلك جواب آخر اعتمده أبو علي الجبائي واختاره، وإن كان قد سبق إليه جماعة من أهل التأويل وذكروه، وهو أن هذا الكلام الذي هو " وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء " إنما هو من كلام المرأة لا من كلام يوسف عليه السلام.
واستشهدوا على صحة هذا التأويل بأنه منسوق على الكلام المحكي عن المرأة بلا شك. ألا ترى أنه تعالى قال: (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق (5) أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) (6) فنسق الكلام على كلام المرأة وعلى هذا التأويل يكون التبرؤ من الخيانة الذي هو ذلك " ليعلم إني لم أخنه بالغيب " من كلام المرأة لا من كلام يوسف (ع) ويكون المكنى عنه في قولها (إني لم أخنه بالغيب) هو