المعمول فيه أظهر وأكثر. ألا ترى أنه تعالى قال في العصا (تلقف ما يأفكون) (1) وفي آية أخرى: (وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا) (2).
ومعلوم أنه لم يرد أنها تلقف أعمالهم التي هي الحركات واعتمادات، وإنما أراد أنها تلقف الحبال وغيرها مما حله الإفك. وقد قال الله تعالى:
(يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) (3) فسمى المعمول فيه عملا.
ويقول القائل في الباب أنه عمل النجار، ومما يعمل النجار، وكذلك في الناسج والصايغ. وههنا مواضع لا يستعمل فيها (ما) مع الفعل إلا والمراد بها الأجسام دون الأعراض التي هي فعلنا. لأن القائل إذا قال:
أعجبني ما تأكل وما تشرب وما تلبس، لم يجز حمله إلا على المأكول والمشروب والملبوس دون الأكل والشرب واللبس. فصح أن لفظة (ما) فيما ذكرناه أشبه بأن تكون حقيقة، وفيما ذكروه أشبه بأن تكون مجازا. ولو لم يثبت فيها إلا أنها مشتركة بين الأمرين، وحقيقة فيهما، لكان كافيا في إخراج الظاهر من أيديهم، وإبطال ما تعلقوا به. وليس لهم أن يقولوا أن كل موضع استعملت فيه لفظة (ما) مع الفعل، وأريد بها المفعول فيه، إنما علم بدليل، والظاهر بخلافه. وذلك أنه لا فرق بينهم في هذه الدعوى وبين من عكسها، فادعى أن لفظة (ما) إذا استعملت مع الفعل وأريد بها المصدر دون المفعول فيه كانت محمولة على ذلك بالدليل، وعلى سبيل المجاز.
والظاهر بخلافه، على أن التعليل وتعلق الكلام الثاني بالأول على ما بيناه أيضا ظاهر، فيجب أن يكون مراعى. وقد بينا أيضا أنه متى حمل الكلام على ما ظنوه لم يكن الثاني متعلقا بالأول ولا تعليلا فيه، والظاهر يقتضي ذلك.