عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٥٠٦
وفي كل مرة يوبخه بالكلام ويلومه على افعاله بالقول الخشن في ملا من الناس فذهب إلى الباشا وبالغ في الشكوى ويقول فيها انا نصحت في خدمة افندينا جهدي وأظهرت من المخبات ما عجز عنه غيري فأجازي عليه من هذا الشيخ ما اسمعنيه من قبيح القول وتجبيهي بين الملا وإذا كان محبا لافندينا فلا يكره نفعه ولا النصح في خدمته وأمثال ذلك مما يخفي عنا خبره فمثل هذه الأمور هي التي اوغرت صدر الباشا على الدواخلي مع أنها في الحقيقة ليست خلافا عند من فيه قابلية للخير وأنا أقول ان الذي وقع لهذا الدواخلي انما هو قصاص وجزاء فعله في السيد عمر مكرم فإنه كان من أكبر الساعين عليه إلى أن عزلوه واخرجوه من مصر والجزاء من جنس العمل كما قيل * فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا * ولما جرى على الدواخلي ما جرى من العزل والنفي اظهر الكثير من نظرائه المتفقهين الشماتة والفرح وعملوا ولائم وعزائم ومضاحكات كما قيل * أمور تضحك السفهاء منها * ويبكي من عواقبها اللبيب * وقد زالت هيبتهم ووقارهم من النفوس وانهمكوا في الأمور الدنيوية والحظوظ النفسانية والوساوس الشيطانية ومشاركة الجهال في المآثم والمسارعة إلى الولائم في الأفراح والمآتم يتكالبون على اسمطة كالبهائم فتراهم في كل دعوة ذاهبين وعلى الخوانات راكعين وللكباب والمحمرات خاطفين وعلى ما وجب عليهم من النصح تاركين وفي أواخره شرعوا في عمل مهم عظيم بمنزل ولي أفندي ويقال له ولي جحا وهو كاتب الخزينة العامرة وهو من طائفة الارنؤد واختص به الباشا واستأمنه على الأمور وضم اليه دفاتر الايراد من جميع وجوه جبايات الأموال من خراج البلاد والمحدثات وحسابات المباشرين وانشا دارا عظيمة بخطة باب اللوق على البركة المعروفة بأبي الشوارب وادخل فيها
(٥٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 ... » »»