عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٢ - الصفحة ٤٥٣
يخطر ببالهما بل ولا ببال أحد من المجانين فضلا عن العقلاء ركون المشار اليه إلى أعدائه وأعداء سيده العداوة الموروثة فكانا كلما شرعا في تدبير شيء من مكايد الحرب تبطهما واقعدهما وهما يظنان نصحه ويعتقدان خلوصه ومعرفته ولكونه تعلم سياسة الحروب من سيده لكثرة تجاربه وسياحته ولم يعلما أنه يمهد لنفسه طريقا مع الأعداء إلى أن كان ما كان من مساعدته لهم بالتغافل والتقاعد حتى تحولوا إلى الجهة الشرقية خلص إليهم بمن انضم اليه من عشيرته فلم يسع الباقين الا الهرب واسلم هو نفسه لأعدائه فأظهروا له المحبة وولوه امارة الحج حكم عهدهم بذلك وأن تكون له امارة الحج ما دام حيا فخرج في تلك السنة أميرا على الحج اعني سنة ست ومائتين والف وكذلك سنة سبع ونهب الحج في تلك السنة وفر المترجم إلى غزة فصودرت زوجاته واقتسمت اقطاعه ورجع بعد حين إلى مصر وأهمل أمره واقام بطالا واستمر كآحاد الطائفة من الأجناد ويغدو ويروح إليهم ويرجو رفدهم إلى أن حدثت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج إلى الشام ولم يزل هناك حتى مات بالطاعون في السنة المذكورة وكان دائما يقول عند تذكره الدولة والنعيم ذلك تقدير العزيز العليم ومات الأمير عثمان بك المعروف بالشرقاوي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب أيضا الكبار وتأمر في أيامه وعرف بالشرقاوي لكونه تول الشرقية ووقع منه ظلم وجبروت بعد موت أستاذه وصادر كثيرا من الناس في أموالهم ثم انكف عن ذلك وزعم أن ذلك كان باغراء مقدمة فشهره وقتله ولم يزل في امارته حتى مات في الشام بالطاعون ومات أيوب بك الكبير وهو أيضا من مماليك محمد بك وكان من خيارهم يغلب عليه حب الخير والسكون ويدفع الحق لأربابه وتأمر على الحج وشكرت سيرته واقتنى كتبا نفيسة واستكتب الكثير من المصاحف والكتب بالخطوط المنسوبة وكان لين الجانب مهذب النفس بحب أهل
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»