تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٤
من ههنا كذب النسابون يعنى من عدنان فقد أنكر السهيلي روايته من طريق ابن عباس مرفوعا وقال الأصح انه موقوف على ابن مسعود وخرج السهيلي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال معد ابن عدنان بن أدد بن زيد بن البرى بن أعراق الثرى قال وفسرت أم سلمة زيدا بأنه الهميسع والبرى بأنه نبت أو نابت وأعراق الثرى بأنه إسماعيل وإسماعيل هو ابن إبراهيم وإبراهيم لم تأكله النار كما لا تأكل الثرى ورد السهيلي تفسير أم سلمة وهو الصحيح وقال انما معناه معنى قوله صلى الله عليه وسلم كلكم بنو آدم وادم من تراب لا يريد أن الهميسع ومن دونه ابن لإسماعيل لصلبه وعضد ذلك باتفاق الاخبار على بعد المدة بين عدنان وإسماعيل التي تستحيل في العادة إن يكون فيها بينهما أربعة آباء أو سبعة أو عشرة أو عشرون لان المدة أطول من هذا كله كما نذكره في نسب عدنان فلم يبق في الحديث متمسك لاحد من الفريقين وأما ما رووه من أن النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر فقد ضعف الأئمة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجرجاني وأبى محمد بن حزم وأبى عمر بن عبد البر والحق في الباب أن كل واحد من المذهبين ليس على اطلاقه فان الأنساب القريبة التي يمكن التوصل إلى معرفتها لا يضر الاشتغال بها لدعوى الحاجة إليها في الأمور الشرعية من التعصيب والولاية والعاقلة وفرض الايمان بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم ونسب الخلافة والتفرقة بين العرب والعجم في الحرية والاسترقاق عند من يشترط ذلك كما مر كله وفي الأمور العادية أيضا تثبت به اللحمة الطبيعية التي تكون بها المدافعة والمطالبة ومنفعة ذلك في إقامة الملك والدين ظاهرة وقد كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينسبون إلى مضر ويتساءلون عن ذلك وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم وهذا كله ظاهر في النسب القريب وأما الأنساب البعيدة العسرة المدرك التي لا يوقف عليها الا بالشواهد والمقارنات لبعد الزمان وطول الأحقاب أو لا يوقف عليها رأسا لدروس الأجيال فهذا قد ينبغي أن يكون له وجه في الكراهة كما ذهب إليه من ذهب من أهل العلم مثل مالك وغيره لأنه شغل الانسان بما لا يعنيه وهذا وجه قوله صلى الله عليه وسلم فيما بعد عدنان من ههنا كذب النسابون لأنها أحقاب متطاولة ومعالم دارسة لا تثلج الصدور باليقين في شئ منها مع أن علمها لا ينفع وجهلها لا يضر كما نقل والله الهادي إلى الصواب (ولنأخذ) الآن في الكلام في أنساب العالم على الجملة ونترك تفصيل كل واحد منها إلى مكانه فنقول ان النسابين كلهم اتفقوا على أن الأب الأول للخليقة هو آدم عليه السلام كما وقع في التنزيل الا ما يذكره ضعفاء الأخباريين من أن الجن والطم
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 10 12 14 ... » »»