الفصل الثالث عشر في أن البيت والشرف بالأصالة والحقيقة لأهل العصبية ويكون لغيرهم بالمجاز والشبه وذلك أن الشرف والحسب إنما هو بالخلال ومعنى البيت أن يعد الرجل في آبائه أشرافا مذكورين يكون له بولادتهم إياه والانتساب إليهم تجلة في أهل جلدته لما وقر في نفوسهم من تجلة سلفه وشرفهم بخلالهم. والناس في نشأتهم وتناسلهم معادن قال صلى الله عليه وسلم الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا فمعنى الحسب راجع إلى الأنساب وقد بينا أن ثمرة الأنساب وفائدتها إنما هي العصبية للنعرة والتناصر فحيث تكون العصبية مرهوبة والمنبت فيها زكي محمي تكون فائدة النسب أوضح وثمرتها أقوى وتعديد الاشراف من الآباء زائد في فائدتها فيكون الحسب والشرف أصليين في أهل العصبية لوجود ثمرة النسب وتفاوت البيوت في هذا الشرف بتفاوت العصبية لأنه سرها ولا يكون للمنفردين من أهل الأمصار بيت إلا بالمجاز وإن توهموه فزخرف من الدعاوى وإذا اعتبرت الحسب في أهل الأمصار وجدت معناه أن الرجل منهم يعد سلفا في خلال الخير ومخالطة أهله مع الركون إلى العافية ما استطاع وهذا مغاير لسر العصبية التي هي ثمرة النسب وتعديد الآباء لكنه يطلق عليه حسب وبيت بالمجاز لعلاقة ما فيه من تعديد الآباء المتعاقبين على طريقة واحدة من الخير ومسالكه وليس حسبا بالحقيقة وعلى الاطلاق وإن ثبت أنه حقيقة فيهما بالوضع اللغوي فيكون من المشكك الذي هو في بعض مواضعه أولى وقد يكون للبيت شرف أول بالعصبية والخلال ثم ينسلخون منه لذهابها بالحضارة كما تقدم ويختلطون بالغمار ويبقى في نفوسهم وسواس ذلك الحسب يعدون به أنفسهم من أشراف البيوتات أهل العصائب وليسوا منها في شئ لذهاب العصبية جملة وكثير من اهل الأمصار الناشئين في بيوت العرب أو العجم لأول عهدهم موسوسون بذلك وأكثر ما رسخ الوسواس في ذلك لبني إسرائيل فإنه كان لهم بيت من أعظم بيوت العالم بالمنبت أولا لما تعدد في سلفهم من الأنبياء والرسل من لدن إبراهيم عليه السلام إلى موسى صاحب ملتهم وشريعتهم ثم بالعصبية ثانيا وما
(١٣٤)