زمن متقدم كان ذلك حاضرا كأنه إنما مر به بالمس والذكاء الذي تسلط به على ما أراد وحسن القريحة في النظم والنثر أما نثره فلعله في ذروة كان أوج الفاضل لها حضيضا ولا أرى أحدا يلحقه فيه جودة وسرعة وأما نظمه فلعله لا يلحقه فيه إلا الأفراد وأضاف الله تعالى له إلى ذلك كله حسن الذوق الذي هو العمدة في كل فن وهو أحد الأدباء الكملة الذين رأيتهم وأعنى بالكملة الذين يقرمون بالأدب علما وعملا في النظم والنثر ومعرفة بتراجم أهل عصره ومن تقدمهم على اختلاف طبقاتهم وبخطوط الأفاضل وأشياخ الكتابة ثم إنه مشارك من رأيته من الكملة في أشياء وينفرد عنهم بأشياء بلغ فيها الغاية لأنه جود فن الإنشاء والنثر وهو فيه آية والنظم وسائر فنونه والترسل البارع عن الملوك ولم أر من يعرف تواريخ الملوك المغل من لدن جنكيز خان وهلم جرا معرفته وكذلك ملوك الهند والأتراك وأما معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان وخواصها فإنه فيها إمام وقته وكذلك معرفة الأصطرلاب وحل التقويم وصور الكواكب وقد أذن له العلامة شمس الدين الأصفهاني في الإفتاء على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فهو حينئذ أكم الكملة الذين رأيتهم ولقد استطرد الكلام يوما في ذكر القضاة فسرد ذكر القضاة الأربعة الذين عاصرهم شاما ومصرا وألقابهم وأسماءهم وعلامة كل قاض منهم حتى إني ما كدت أقضى العجب مما رأيت ولد ب دمشق ثالث شوال سنة سبعمائة قرأ العربية أولا على الشيخ كمال الدين بن قاضي شهبة ثم على قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم وتفقه على قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله وعلى الشيخ برهان الدين وقرأ الأحكام الصغرى على الشيخ تقى الدين بن تيمية والعروض على الشيخ شمس الدين الصائغ وعلاء الدين الوداعي وقرأ جملة من المعاني والبيان على العلامة شهاب الدين محمود وقرأ عليه جملة من دواوين العرب والأصول على الشيخ شمس الدين الأصفهاني وأخذ اللغة عن الشيخ أثير الدين وصنف فواضل السمر في فضائل آل عمر أربع مجلدات وكتاب مسالك الأبصار
(١٩٣)